وإذا اجتمعت هذه المفعولات للفعل لم يقم منها إلا المفعول به المسرّح ويترك ما عداه. فإن قيل : قد قرىء : (وليجزي قوما بما كانوا يكسبون) (١) بنصب «قوم» ، وظاهر هذا أنه أقام المجرور وهو بما كانوا ، وترك المسرّح وهو «قوم». فالجواب : أنّ قوما ليس بمعمول لـ «يجزى» بل لفعل مضمر يدلّ عليه يجزى ، كأنه قال : جزى الله قوما. ويكون مفعول «يجزى» ضمير المصدر المفهوم منه كأنّه قال : ليجزى هو أو ليجزى الجزاء ، ونظير ذلك قوله [من الطويل] :
٣٨٦ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة |
|
ومختبط مما تطيح الطوائح |
______________________
(١) الجاثية : ١٤.
٣٨٦ ـ التخريج : البيت للحارث بن نهيك في خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٤ ؛ وشرح المفصل ١ / ٨٠ ؛ والكتاب ١ / ٢٨٨ ؛ وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص ٣٦٢ ؛ ولنهشل بن حريّ في خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ؛ ولضرار بن نهشل في الدرر ٢ / ٢٨٦ ؛ ومعاهد التنصيص ١ / ٢٠٢ ؛ وللحارث بن ضرار في شرح أبيات سيبويه ١ / ١١٠ ؛ ولنهشل ، أو للحارث ، أو لضرار ، أو لمزرد بن ضرار ، أو للمهلهل في المقاصد النحوية ٢ / ٤٥٤ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٤٥ ، ٧ / ٢٤ ؛ وأمالي ابن الحاجب ص ٤٤٧ ، ٧٨٩ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٧٨ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ١٣٩ ؛ والخصائص ٢ / ٣٥٣ ، ٤٢٤ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٧١ ؛ وشرح المفصل ١ / ٨٠ ؛ والشعر والشعراء ص ١٠٥ ، ١٠٦ ؛ والكتاب ١ / ٣٦٦ ، ٣٩٨ ؛ ولسان العرب ٢ / ٥٣٦ (طوح) ؛ والمحتسب ١ / ٢٣٠ ؛ ومغني اللبيب ص ٦٢٠ ؛ والمقتضب ٣ / ٢٨٢ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٦٠.
شرح المفردات : الضارع : الخاضع والمستكين. المختبط : السائل بلا وسيلة ، أو قرابة ، أو معرفة. تطيح : تهلك. الطوائح : المصائب.
المعنى : يقول : فليبك يزيد بن نهشل ، لأنّ البكاء هو أقلّ شيء يجب عمله ، فقد بكاه الذليل الخاضع كما بكاه العافي الذي أنهكته حوادث الأيام فراح يستعطي أهل السخاء.
الإعراب : «ليبك» : اللام للأمر ، «يبك» : فعل مضارع للمجهول مجزوم بحذف حرف العلة. «يزيد» : نائب فاعل مرفوع. «ضارع» : فاعل لفعل محذوف تقديره : «يبكيه ضارع». «لخصومة» : جار ومجرور متعلّقان بـ «ضارع». «ومختبط» : الواو حرف عطف ، «مختبط» : معطوف على «ضارع». «ممّا» : جار ومجرور متعلّقان بـ «مختبط». «تطيح» : فعل مضارع مرفوع. «الطوائح» : فاعل مرفوع.
وجملة : «ليبك ...» ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يبكيه ضارع» المحذوفة بدل من جملة «ليبك يزيد». وجملة : «تطيح ...» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله : حذف عامل الفاعل لقرينة ، والتقدير : يبكيك ضارع. و «ضارع» فاعل فعل محذوف دلّ عليه مدخول الاستفهام المقدّر ، كأنّه قيل : من يبكيه؟ فقيل : ضارع ، أي يبكيه ضارع ، ثمّ حذف الفعل ، و «يزيد» نائب فاعل «يبك» المجزوم بلام الأمر.