الأول من أنّ زيدا هو الذي أخذ الدرهم إلّا أنّك أقمت الثاني. ومنهم من ذهب إلى أنّ المعنى ينعكس ، فإذا قلت : «أعطي درهم زيدا» ، فكأنّك قلت : أخذ الدرهم زيدا.
وهذا باطل عندي لأنه لم يدع إلى ذلك داع. والذي حمل صاحب هذا المذهب على ما ذكرته عنه أنّ سيبويه حكى أنّ قول العرب : «أدخل فوه الحجر» على القلب كأنّك قلت : أدخل فوه في الحجر ، وإذا قلت : أدخل الحجر فاه ، كان المعنى : أدخل الحجر في فيه ، وليس في الكلام قلب فلما رأى سيبويه قد ادعى القلب في هذه المسألة عند إقامة الثاني ، وهو الفم حمل كل مسألة يقام فيها الثاني على القلب.
وذلك لا حجة فيه لأن سيبويه حمله على ادعاء القلب في المسألة أمر ضروريّ لأن قولك : «أدخلت فاه الحجر» ، إذا لم يكن مقلوبا كان «الحجر» مفعولا مسرّحا لفظا وتقديرا والفم مسرّح في اللفظ مقيّد في التقدير لأنّ المعنى أدخل الحجر في فيه ، فلا يجوز إذا لم يرد القلب ، إلّا إقامة الحجر الذي هو مسرح في اللفظ والتقدير لأنّه قد تقدّم أنّ المسرّح لفظا وتقديرا أولى من المسرّح لفظا لا تقديرا ، فلما رأى العرب تقيم الفم وتترك الحجر ، فتقول أدخل فوه الحجر ، علم أنّ المسألة مقلوبة وأنّ الأصل : أدخلت فاه الحجر ، تريد : في الحجر ، حتى يكون الذي أقيم المسرّح لفظا وتقديرا وبقي المقيد ، فهذا هو الذي قاده في هذه المسألة إلى ادعاء القلب. وأمّا «أعطى» وأمثاله فلم يحوج إلى ادعاء القلب فيه شيء.