ووجه الدليل من هذا البيت أنّ «اليوم» و «الأمس» و «غد» لا تخلو أن تؤخذ على حقائقها أو كنايات عن الأزمنة ، فإن أخذت على حقائقها اختلّ معنى البيت ، لأنّه لا يعلم من علم اليوم إلّا ما هو فيه ولا فائدة في اقتصاره على الأمس وغد ، لأنّه يعلم علم ما قبل الأمس ويجهل علم ما بعد غد ، فإذا بطل أن تؤخذ على حقائقها ، ثبت أنّها كنايات عن الأزمنة. فكنّى باليوم عمّا هو فيه ، وكنّى بالأمس عمّا مضى ، وكنّى بغد عمّا يستقبل.
والأفعال كنايات عن الأحداث بالنظر إلى الزمن. فينبغي اذن أن تكون ثلاثة : ماض ومستقبل ومضارع.
فالماضي : ما وقع وانقطع وحسن معه «أمس» ، وكان مبنيّا على الفتح ما لم يمنع من فتحه مانع.
والمستقبل : ما لم يقع وحسن معه «غد» ، وكان مبنيّا على السكون ما لم يمنع من سكونه مانع.
والمضارع : ما احتمل الحال والاستقبال وحسن معه «الآن» و «غد» ، وكانت في أوّله إحدى الزوائد الأربع ، وهي : الهمزة التي تعطي المتكلّم وحده ، نحو : «أقوم أنا» ، والنون التي تعطي المتكلم ومعه غيره ، نحو : «نحن نقوم» ، أو الواحد المعظّم نفسه. قال الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ)(١) ، والتاء تعطي التأنيث والخطاب ، نحو : «أنت تقوم» ، و «هند تقوم» ، والياء التي تعطي الغيبة ، نحو : «زيد يقوم».
وهو معرب إذا سلم مما يوجب بناءه ، وقد تقدم ، ومرفوع إذا عري من النواصب والجوازم.
واختلف النحويون في الرافع له ، فمذهب أهل البصرة أنه ارتفع لوقوعه موقع الاسم بدليل أنّه مهما ساغ وقوع الاسم موقعه كان مرفوعا ، ولذلك لا يرتفع بعد النواصب والجوازم ، لأنه لا يسوغ وقوع الاسم بعدها. ألا ترى أنك لا تقول في مثل : «لن يقوم
______________________
ـ والشاهد فيه : استخدامه «اليوم» ، و «الأمس» ، و «غد» كنايات عن الأزمنة ، فكنّى بـ «اليوم» عمّا هو فيه ، وكنّى بـ «الأمس» عمّا مضى ، وكنّى بـ «غد» عمّا يستقبل.
(١) الحجر : ٩.