رائحة دون رائحة. ولا يرد عليه ما وجد من الألفاظ مشتركا على الإطلاق ، كجون وأمثاله لأنه لم ينكر أن يجعل للشيء لفظ مشترك ، وإنّما أنكر أن لا يكون للشيء ما يعبّر به عنه إلّا ذلك اللفظ المشترك ، نحو : رائحة ، لأنه لا يعبّر عنها بشيء سوى ذلك وليس كذلك الجون لأنّه وإن وقع على الأسود والأبيض فإن الأبيض يخصه أبيض ، والأسود يخصه أسود ، فإن قيل : إن الرائحة تتخصّص ، فيقال : رائحة المسك ورائحة العنبر ، فالجواب إن «يفعل» أيضا المشترك بين الحال والاستقبال يتخصّص ، فيقال : يفعل الآن ويفعل غدا.
واحتج أيضا بأن قال : زمن الحال لقصره يتعذّر الإخبار عنه ، فكذلك يتعذر وجود فعل الحال فيه ، لأنّه بقدر ما يلفظ به عاد الزمان ماضيا.
فالجواب : إنه لم يرد بزمن الحال عند النحويين الزمن الحقيقي الفاصل بين الماضي والمستقبل ، وإنّما المراد به عندهم الزمن الماضي غير المنقطع ، وذلك يتسع للإخبار عن الفعل فيه.
فإن قال قائل : فما الدليل على إثبات فعل الحال؟ فالجواب : أن يقال : إنهم يقولون : يفعل الآن ، ولا يقولون : إفعل الآن ، ولا : فعل الآن ، إلّا قليلا على طريق الاتساع وتقريب الماضي والمستقبل من الحال.
فصلاحية «الآن» مع «يفعل» دليل على أنه ليس بماض ولا مستقبل وأن المراد به فعل ثالث وهو الحال ، ودليل ثان هو أن قول زهير [من الطويل] :
٢٦ ـ وأعلم ما في اليوم والأمس قبله |
|
ولكنّني عن علم ما في غد عم |
______________________
٢٦ ـ التخريج : البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٩ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٩٦ (عمى) ؛ وتهذيب اللغة ٣ / ٢٤٥.
المعنى : أعرف علم الماضي والحاضر ، أمّا علم المستقبل فإنني لا أعرف عنه شيئا.
الإعراب : وأعلم : «الواو» : حرف استئناف ، «أعلم» : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). ما : اسم موصول في محلّ نصب مفعول به. في اليوم : جار ومجرور متعلّقان بفعل جملة الصلة المحذوفة ، والتقدير : «ما استقرّ». والأمس : «الواو» : للعطف ، «الأمس» : اسم معطوف على (اليوم) مجرور بالكسرة. قبله : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلّق بحال من «الأمس» ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه متعلّق بحال من (الأمس). ولكنني : «الواو» : استئنافية ، «لكنّ» : حرف مشبّه بالفعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم (لكنّ). عن علم : جار ومجرور متعلقان بـ (عمي). ما : اسم موصول في محلّ جرّ مضاف إليه. في غد : جار ومجرور متعلقان بفعل جملة الصلة المحذوفة. عم : خبر (لكنّ) مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء المحذوفة.
وجملة «أعلم» : استئنافيّة لا محلّ لها. وجملة «لكنني عم عن علم ...» : استئنافية لا محلّ لها. ـ