دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ . الآية» (١).
والاخبار الدالة على اشتمال المساجد على المحاريب أكثر من ان تحصر وأشهر من ان تذكر ، وحينئذ فالواجب في هذا المقام تحقيق المعنى المراد بالمحراب وانه عبارة عما ذا فأقول قال في القاموس : المحراب الغرفة. وصدر البيت ، وأكرم مواضعه ، ومقام الامام من المسجد ، والموضع ينفرد فيه الملك فيتباعد عن الناس ، ومحاريب بني إسرائيل مساجدهم التي كانوا يجلسون فيها. وقال في كتاب مجمع البحرين بعد ذكر المعاني المتقدمة : وعن الأصمعي سمعي القصر محرابا لان المحراب مقدم المجالس وأشرفها وكذا من المسجد وعن ابن الأنباري سمى محرابا لانفراد الامام فيه وبعده من القوم ، يقال دخل الأسد محرابه اي غيلة والامام إذا دخل فيه يأمن من ان يلحق فهو حائز مكانا كأنه مأوى الأسد ، ويقال محراب المصلى مأخوذ من المحاربة لأن المصلي يحارب الشيطان ويحارب نفسه بإحضار قلبه. انتهى.
أقول : قد ظهر مما ذكرنا ان أحد معاني المحراب لغة هو المكان الذي ينفرد فيه الامام عن المأمومين ويدخله فهو حينئذ دائر بين أحد المعنيين المتقدمين إلا انه لما دلت أخبارنا على ان هذه المقاصير إنما أحدثت من خلفاء الجور ـ كما أشار إليه في خبر ابي هاشم الجعفري بقوله (عليهالسلام) (٢) «انها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة». وصحيح زرارة الوارد في صلاة المأموم خلف المقاصير (٣) قال (عليهالسلام): «هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس وانما أحدثها الجبارون وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة». ـ تعين حمل المحراب المستحب على المعنى الآخر وهو الداخل في الحائط.
بقي الكلام في قوله (عليهالسلام) في خبر طلحة : «كأنها مذابح اليهود» قال
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ٣٢.
(٢) ص ٢٧١.
(٣) الوسائل الباب ٥٩ من صلاة الجماعة.