فنقول : ينبغي ان يعلم انه لا ريب ان أفعال العقلاء كلها من عبادات وغيرها لا تصدر إلا بعد تصور الدواعي الباعثة على الإتيان بها وهي المشار إليها في كلامهم بالعلل الغائية ، مثلا يتصور الإنسان ان الإتيان بهذا الفعل يترتب عليه النفع الفلاني فإذا تصورت النفس هذا الغرض انبعث منها شوق الى جذبه وتحصيله ، فقد يتزايد هذا الشوق ويتأكد ويسمى بالإرادة ، فإذا انضم إلى القدرة التي هي هيئة للقوة الفاعلة انبعثت تلك القوة لتحريك الأعضاء إلى إيقاع ذلك الفعل وإيراده وتحركت الى إصداره وإيجاده لأجل غرضها الذي تصورته أولا ، فانبعاث النفس وتوجهها وقصدها الى ما فيه غرضها هو النية ، نعم قد يحصل بسبب تكرر الفعل والاعتياد عليه نوع ذهول عن تلك العلة الغائية الحاملة على الفعل إلا ان النفس بأدنى توجه والتفات تستحضر ذلك كما هو المشاهد في جملة أفعالنا المتكررة منا.
وحينئذ فليست النية بالنسبة إلى الصلاة والطهارة والصيام ونحو ذلك من العبادات إلا كغيرها من سائر أفعال المكلف من قيامه وقعوده وأكله وشربه ونكاحه ونومه ومغداه ومجيئه ونحو ذلك ، ولا ريب ان كل غافل غير ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذه الأفعال ونحوها إلا بنية وقصد ، مع انه لا يتوقف شيء من ذلك على هذه النية التي ذكروها والاختلافات التي سطروها.
ولا فرق بين ما ذكرنا من هذه الأفعال وبين العبادات إلا قصد القربة لله سبحانه في العبادات ، وهذا لا يوجب ما ذكروه في أمثال هذا المقام.
وحينئذ فإذا كان المكلف عالما بوجوب الصوم عليه وانه عبارة عن الإمساك عن تلك الأمور المذكورة لله سبحانه كما هو الآن ضروري لعامة الناس فإنه برؤية هلال الشهر المذكور يوطن نفسه على ذلك ويكف عن هذه الأشياء في كل يوم من طلوع الفجر الى غروب الشمس ومتى فعل ذلك فان صومه صحيح شرعي ، وهذا هو الذي جرى عليه السلف زمن النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة (عليهمالسلام) وما بعدهم ، فإنه متى دخل عليهم الشهر اجتنبوا ما حرم الله عليهم في نهاره وكفوا عنه قاصدين