وحينئذ فإذا كان القلس الذي هو عبارة عن الطعام والشراب لا يكون ازدراده مبطلا بعد خروجه الى فضاء الفم فكيف النخامة؟ إلا ان المفهوم من كلامهم كما صرح به في المعتبر ان القلس متى اشتمل على شيء من الغذاء فإنه يفطر بابتلاعه ، وهو تقييد لإطلاق الخبر بغير دليل.
نعم يبقى الكلام في دلالة خبر غياث على الفضلة المسترسلة من الدماغ وصدق النخامة عليها ، فان ظاهر كلام أهل اللغة المذكور إنما ينطبق على الصاعد من الصدر كما لا يخفى على المتأمل فيه ، وحينئذ فتكون الرواية مؤيدة للقول الأول ويبقى حكم ما ينزل من الدماغ خارجا عنها. إلا انه يمكن الاستدلال عليه بما ذكره في المدارك وما ذكرناه من صحيحة عبد الله بن سنان ، ويعضد ذلك أصالة صحة الصيام حتى يقوم الدليل على الابطال.
وكيف كان فالظاهر قوة القول الثالث والاحتياط لا يخفى.
قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد البحث في المسألة : إذا تقرر ذلك فان ابتلع النخامة حيث تحرم فان كان من خارج الفم وجبت الكفارات الثلاث لتحريم تناولها حينئذ على غير الصائم ، وكذا لو تناول نخامة غيره أو ريقه وان كان أحد الزوجين. وما ورد من تجويز الامتصاص (١) لا يستلزم الازدراد. ولو كان التناول من الفم حيث يحرم ففي وجوب الثلاث أو الواحدة نظر ، منشأه الشك في تحريم ذلك على غير الصائم ، والمتيقن هو وجوب الواحدة. انتهى.
أقول : ما ذكره (قدسسره) من تحريم التناول من خارج الفم ووجوب الكفارات الثلاث على الصائم مبنى على ما قدمنا نقله عنهم من تحريم فضلات الإنسان ، وقد عرفت ما فيه. وما ذكره من التأويل في حديثي امتصاص الصائم لسان غيره (٢) بعيد ، وكأنه غفل عن صحيحة أبي ولاد (٣) الصريحة في دخول ريق
__________________
(١) الوسائل الباب ٣٤ من ما يمسك عنه الصائم.
(٢ و ٣) ص ٨٢ و ٨٣.