.................................................................................................
__________________
وبالجملة : فالجزئية والشرطية والمانعية منتزعة عن كيفية الأمر ، وليست متأصلة في الجعل ، فلا تجري فيها البراءة ، وإن قلنا بشمول حديث الرفع للأحكام الوضعية ، نعم ترتفع هذه الأمور بإجراء البراءة في مناشئ انتزاعها» انتهى ملخصا (١).
وجه الغموض ما عرفت من : أن دليل اعتبار كون مجرى البراءة حكما شرعيا هو كون الرفع تشريعيّا لا تكوينيّا ، فلا بدّ في صحة إسناد الرفع التشريعي من كون المرفوع قابلا للتشريع نفيا وإثباتا. ومن المعلوم أنّ صحة هذا الإسناد لا تتوقف إلّا على كون المرفوع ممّا يرجع فيه وضعا ورفعا إلى الشارع دون غيره. وبديهي أنّ هذا لا يتوقف على كون المرفوع متأصّلا في الجعل ، بل يكفي في ذلك قابلية منشئه للتشريع.
وعليه فلا فرق في جريان البراءة في الشرطية والسببية والمانعية بين كونها راجعة إلى موضوع الحكم ، وبين كونها راجعة إلى متعلّق الحكم ، لأنّها في كليهما منتزعة عن الدخل الشرعي. وقد عرفت صحة إسناد الرفع إلى الشرطية ونحوها بلحاظ انتزاعها عن الدخل الشرعي ، وعدم توقف صحته على كونها مجعولة بالذات.
ولو لم يكن هذا المقدار مصحّحا لإسناد الرفع التشريعي لم يصح التمسك أيضا بإطلاق الدليل الاجتهادي لنفيها. مثلا إذا شككنا في شرطيّة الماضوية في العقد نتمسّك في نفيها بإطلاق مثل «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» وكذا إذا شككنا في وجوب الرجوع إلى الكفاية في الحج. فلا فرق في الرجوع إلى البراءة بين كون مجراها مجعولا بالأصالة وبين كونه منتزعا.
نعم يمنع عن جريان البراءة في الوضعيات باختصاص البراءة بالأحكام الإلزامية الموجبة مخالفتها لاستحقاق العقوبة ، ولذا قيل : إنّ البراءة الشرعية تنفي الملزوم ، والبراءة العقلية تنفي اللازم وهو استحقاق المؤاخذة.
إلّا أن يقال : إنّ استدلال الإمام عليهالسلام بحديث الرفع على فساد طلاق المكره
__________________
(١) : مصباح الفقاهة ، ج ٣ ، ص ٧ إلى ١١