وثانيا (١) : الإشكال في صحة الإباحة بالعوض ، الراجعة إلى عقد مركّب من إباحة وتمليك (٢) فنقول :
أمّا إباحة (٣) جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك فالظاهر أنّها لا تجوز ، إذ التصرف الموقوف على الملك لا يسوغ لغير المالك بمجرّد إذن المالك ، فإنّ إذن المالك ليس مشرّعا ، وإنما يمضى فيما يجوز شرعا. فإذا (٤) كان بيع الإنسان مال غيره لنفسه ـ بأن يملك الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره ـ غير (٥) معقول كما صرّح به العلّامة في القواعد (٦)
______________________________________________________
(١) هذا هو الإشكال الثاني المختصّ بالقسم الثالث ، ومحصّله : أنّ العقد المؤلّف من «إباحة وتمليك» ليس من المعاوضات المعهودة حتى تشملها أدلة الإمضاء مثل الأمر بالوفاء بالعقود والتجارة عن تراض.
(٢) الإباحة من المبيح ، والتمليك من المباح له.
(٣) هذا شروع في تحقيق الإشكال الأوّل ، وأنّه هل يمكن التفصّي منه أم لا؟
وقد أوضحه المصنف قدسسره أوّلا ، ثم تصدّى لتصحيح إباحة جميع التصرفات بوجوه ثلاثة سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.
(٤) غرضه قدسسره الاستشهاد بكلام العلّامة في القواعد على أنّ سلطنة المالك على ماله مقصورة على التصرفات المشروعة بنفسها. ولمّا كان البيع «مبادلة مال بمال» وهي تتوقف على دخول كلّ من العوضين في ملك الآخر ، فلذا لا يصحّ أن يبيح المالك لغيره بيع ملكه من دون أن يصل الثمن إلى مالك المعوّض. وجه عدم الصحة : عدم ثبوت سلطنة المالك على إباحة بيع ماله لغيره ، فلا يكون مجرّد إذنه للغير مصحّحا لكلّ تصرّف منه.
(٥) خبر قوله : «كان بيع الإنسان».
(٦) حيث قال قدسسره : «لو قال : بع عبدك من فلان ، على أنّ عليّ خمسمائة ، فباعه بهذا الشرط بطل ، لوجوب الثمن بأجمعه على المشتري ، فليس له أن يملك العين والثمن على غيره. بخلاف : أعتق عبدك وعليّ خمسمائة ، أو : طلّق امرأتك وعليّ مائة ، لأنّه