فإن توقّع منه إفساد العبد ، مع أن الله تعالى يريد إصلاح العبد ، فلم خلقه ، ولم سلّطه على العبد؟ وإن كان لا يتوقّع من الشيطان إفساد العبد ، فأيّ حاجة [للعبد](١) إلى الاستعاذة منه؟
وأمّا إذا قيل : إنّ الله قد لا يريد ما هو صلاح حال العبد ، فالاستعاذة بالله كيف تفيد الاعتصام من شرّ الشيطان؟
الوجه الثالث : أنّ الشيطان إمّا أن يكون مجبورا على فعل الشّر ، أو يكون قادرا على فعل الخير والشر ، وعلى فعل أحدهما.
فإن كان الأول ، فقد أجبره الله على الشّر ؛ وذلك يقدح في قولهم : إنه ـ تعالى ـ لا يريد إلا الصّلاح والخير ، وإن كان الثاني ، وهو أنه قادر على فعل الشّرّ والخير ؛ فها هنا يمتنع أن يترجّح فعل الخير على فعل الشر إلّا بمرجّح ، وذلك المرجح يكون من الله تعالى ، وإذا كان ذلك ، فأي فائدة في الاستعاذة؟
الوجه الرابع : هب أنّ البشر إنّما وقعوا في المعاصي بسبب وسوسة الشّيطان ، فإنّ الشّيطان كيف وقع في المعاصي؟
فإن قلنا : إنه وقع فيها بسبب وسوسة شيطان آخر ، لزم التسلسل.
وإن قلنا : وقع الشّيطان في المعاصي لا لأجل شيطان آخر ، فلم لا يجوز مثله في البشر؟
وعلى هذا التقدير لا فائدة للاستعاذة من الشّيطان ، وإن قلنا : إنّه ـ تعالى ـ سلّطه الشيطان على البشر ، ولم يسلّط على الشيطان شيطانا آخر ، فهذا أحيف على البشر ، وتخصيص له بمزيد التثقيل ، والإضرار ؛ وذلك ينافي كون الإله رحيما ناظرا لعباده.
الوجه الخامس : أن الفعل المستعاذ منه إن كان ممتنع الوقوع ، فلا فائدة في الاستعاذة منه ، وإن كان واجب الوقوع ، كذلك.
اعلم أنّ هذه المناظرة تدلّ على أنه لا حقيقة لقوله : (أَعُوذُ بِاللهِ) إلّا أن ينكشف أنّ الكلّ من الله تعالى ، وبالله.
وحاصل الكلام ما قاله الرسول ـ عليه الصلاة والسلام : ـ أعوذ برضاك من سخطك (٢) ... الحديث.
__________________
(١) في أ : بالعبد.
(٢) أخرجه الترمذي في «السنن» : (٥ / ٤٨٩ ـ ٤٩٠) كتاب الدعوات (٤٩) باب (٧٦) ، حديث رقم (٣٤٩٣) والنسائي في «السنن» : (١ / ١٠٢) ، وابن ماجه في «السنن» : (٢ / ١٢٦٢ ـ ١٢٦٣) كتاب الدعاء ، باب (ما تعوذ منه رسول الله صلىاللهعليهوسلم) حديث رقم (٣٨٤١) ـ والدارقطني في السنن (١ / ١٤٣) ، ومالك في «الموطأ» (٢١٤) ـ وابن خزيمة في صحيحه ، حديث رقم (٦٥٤) ، والحاكم في «المستدرك» (١ / ٢٨٨).