واختلف أهل العلم في أنّ (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بالنسبة إلى كونهما بمعنى واحد ، أو مختلفين؟
فذهب بعضهم : إلى أنهما بمعنى واحد ك «ندمان ونديم» ، ثم اختلف هؤلاء على قولين:
فمنهم من قال : يجمع بينهما ؛ تأكيدا.
ومنهم من قال : لما تسمّى مسيلمة ـ لعنه الله ـ ب «الرحمن» قال الله تعالى لنفسه : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فالجمع بين هاتين الصفتين لله ـ تعالى ـ فقط. وهذا ضعيف جدّا ؛ فإنّ تسميته بذلك غير معتدّ بها ألبتة ، وأيضا : فإن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قبل ظهور أمر مسيلمة.
ومنهم من قال : لكلّ واحد فائدة غير فائدة الآخر ، وجعل ذلك بالنسبة إلى تغاير متعلّقهما ؛ إذ يقال : «رحمان الدّنيا ، ورحيم الآخرة» ، ويروى ذلك عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم ـ وذلك لأن رحمته في الدنيا تعمّ المؤمن والكافر ، وفي الآخرة تخصّ المؤمنين فقط.
ويروى : «رحيم الدّنيا ، ورحمان الآخرة» وفي المغايرة بينهما بهذا القدر وحده نظر لا يخفى.
وذهب بعضهم إلى أنّهما مختلفان ، ثمّ اختلف هؤلاء أيضا :
فمنهم من قال : الرحمان أبلغ ؛ ولذلك لا يطلق على غير البارىء ـ تعالى ـ ، واختاره الزمخشريّ ، وجعله من باب «غضبان» و «سكران» للممتلىء غضبا وسكرا ؛ ولذلك يقال : «رحمان الدنيا والآخرة ، ورحيم الآخرة فقط».
قال الزّمخشريّ (١) : «فكان القياس الترقّي من الأدنى إلى الأعلى كما يقال : «شجاع باسل» ولا يقال : «باسل شجاع».
ثم أجاب : بأنه أردف «الرحمان» الذي يتناول جلائل النّعم وأصولها ب «الرحيم» ؛ ليكون كالتّتمّة والرّديف ؛ ليتناول [ما دقّ منها](٢) ، ولطف.
ومنهم من عكس : فجعل «الرحيم» أبلغ ، ويؤيده رواية من قال : «رحيم الدنيا ، ورحمان الآخرة» ؛ لأنه في الدنيا يرحم المؤمن والكافر ، وفي الآخرة لا يرحم إلا المؤمن.
لكنّ الصحيح أنّ «الرحمن» (٣) أبلغ ، وأما هذه الرواية فليس فيها دليل ، بل هي دالّة على أنّ «الرحمان» أبلغ ؛ وذلك لأنّ القيامة فيها الرّحمة أكثر بأضعاف ، وأثرها فيها أظهر على ما يروى : «أنه خبّأ لعباده تسعا وتسعين رحمة ليوم القيامة».
__________________
(١) ينظر الكشاف : ١ / ٨.
(٢) في أ : ما دونهما.
(٣) في ب : الرحيم.