الخامس : عند المعتزلة أفعاله ـ تعالى ـ يجب أن تكون حسنة ، ويجب أن تكون حسنة ، ويجب أن تكون لها صفة زائدة على الحسن ، وإلا كان عبثا ، وذلك في حقه تعالى محال ، والزائدة على الحسن إمّا [أن تكون](١) واجبة ، وإما أن تكون من باب التّفضّل.
أما الواجب فهو مثل إيصال الثواب ، والعوض إلى المكلّفين.
وأما الذي يكون من باب التفضل ، فهو مثل أنّه يزيد على قدر الواجب على سبيل الإحسان.
فنقول : هذا يقدح في كونه ـ تعالى ـ مستحقا للحمد ، ويبطل صحّة قولنا : الحمد لله.
وتقريره أن نقول : أما أداء الواجبات ، فإنه لا يفيد استحقاق الحمد ، ألا ترى أنّ من كان له على غيره دين دينار ، فأدّاه ، فإنه لا يستحقّ الحمد ، فلو أوجبنا على الله تعالى فعلا ، لكان ذلك الفعل مخلصا [له](٢) عن الذّمّ ، ولا يوجب استحقاقه للحمد.
وأما فعل التفضّل فعند الخصم أنه يستفيد بذلك مزيد حمد ولو لم يصدر عنه ذلك الفعل ، لما حصل له الحمد ، فإذا كان كذلك كان ناقصا لذاته مستكملا بغيره ، وذلك يمنع من كونه ـ تعالى ـ مستحقا للحمد والمدح.
السّادس : قوله : الحمد لله يدلّ على أنه ـ تعالى ـ محمود ، فنقول : استحقاقه للحمد والمدح إما أن يكون أمرا ثابتا لذاته ، أو ليس ثابتا لذاته ، فإن كان الأوّل ، امتنع ثبوته لغيره ، فامتنع ـ أيضا ـ أن يكون شيء من الأفعال موجبا له استحقاق الذم ؛ لأن ما ثبت لذاته امتنع ارتفاعه ، فوجب ألّا يجب للعباد عليه شيء من الأعواض والثّواب ، وذلك يهدم أصول المعتزلة.
وأمّا القسم الثّاني ـ وهو أن يكون استحقاق الحمد لله ليس ثابتا لذاته ـ فنقول : فيلزم منه أن يكون ناقصا لذاته مستكملا بغيره ، وذلك على الله ـ تعالى ـ محال.
أما قول المعتزلة : إنّ قوله : «الحمد لله» لا يتم إلّا على قولنا ؛ لأن المستحقّ للحمد على الإطلاق هو الذي لا قبيح في فعله ، ولا جور في قضيّته ، ولا ظلم في أحكامه ، وعندنا أنّ الله ـ تعالى ـ كذلك ؛ فكان مستحقّا لأعظم المحامد والمدائح.
أمّا على مذهب الجبر لا قبيح إلا وهو فعله ، ولا جور إلا وهو حكمه ، ولا عبث إلا وهو صنعه ؛ لأنه يخلق الكفر في الكافر ، ثم يعذبه عليه ، ويؤلم الحيوانات من غير أن يعوّضها ، فكيف يعقل على هذا التقدير كونه مستحقا للحمد؟
وأيضا ذلك الحمد الذي يستحقه الله ـ تعالى ـ بسبب الإلهيّة ؛ إمّا أن يستحقّه على
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.