يمنع فقيه أو مستفيد من الطلبة مما يختاره من أنواع العلوم الشرعية» (١).
فإذا أتم الطالب دراسته ، وتأهل للفتيا والتدريس أجاز له شيخه ذلك ، وكتب له إجازة يذكر فيها اسم الطالب وشيخه ومذهبه ، وتاريخ الإجازة وغير ذلك. ولا شك في أن قيمة هذه الإجازة كانت تتوقف على سمعة الشيخ الذي صدرت عنه ومكانته العلمية (٢).
وأما المكاتب فقد كانت خاصة بالمراحل الأولى من مراحل تعليم الناشئة ، والمدارس بمثابة التعليم الجامعي أو نهاية المرحلة التعليمية ، ويبدو أن الهدف الأساسي من إقامة هذه المكاتب هو تعليم أيتام المسلمين ، وهذا يتضح فيما رأيناه من إلحاق أيتام المسلمين بهذه المكاتب وإجراء الأرزاق والكسوة عليهم.
وأما منهج التعليم فيها فكان يقوم على أن يعلم المؤدب أو العريف الذي ينوب مكانه هؤلاء التلاميذ القراءة والكتابة ، والقرآن والحديث وآداب الدين ، فضلا عن مبادىء الحساب وقواعد اللغة وبعض الشعر.
وقد كان يحتفل بمن يحفظ القرآن في المكتب ، وهو ما يسمى ب «الإصرافة» (٣).
ولم تكن المدارس والمكاتب وحدها هي كل ساحات العلم ، فقد كان هناك مشاركة كبيرة جدا من الجوامع والمساجد ، في مقدمة ذلك «الجامع الأزهر» ، وكذلك كان هناك الزوايا والمارستانات ، وعن المارستان المنصوري ـ كمثال ـ يقول المقريزي إن المنصور أنشأه : «مكانا يجلس فيه رئيس الأطباء لإلقاء درس طب» (٤).
٤ ـ المكتبات :
المعلوم أن المماليك أنشأوا المدارس والمكاتب ، والزوايا والخانقاوات وغير ذلك لينشروا العلم ، ولينشطوا الحركة الثقافية العلمية ، ولكن هذا الهدف لا يأتي على خير حال إلا إذا كان هناك ثروة مكتبية ضخمة تسانده ، وترفده بمصادر البحث والمطالعة من الكتب المصنفة في فروع العلم.
لذلك فقد «ألحقت بكل مدرسة خزانة كتب يرجع إليها المدرسون والطلاب في البحث والاستقصاء» (٥) ، وقد ضمت هذه المكتبات : «أنواعا عديدة من المؤلفات في مختلف العلوم والفنون من تفسير وحديث ، وفقه ، ولغة ، ومعان ، وبديع ، وبيان ، وأصول فقه ، وأصول دين ، ومنطق ، وغير ذلك من نحو وصرف وغيرهما» (٦).
__________________
(١ و ٢) د. سعيد عاشور : العصر المماليكي ص ٣٤٤.
(٣) د. سعيد عاشور : العصر المماليكي ص ٣٤٨.
(٤) الخطط ٢ / ٤٠٦.
(٥) د. سعيد عاشور : المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك ص ١٤٥.
(٦) السابق ص ١٤٦ ، وأيضا : العصر المماليكي : ص ٣٤٦.