أهل الطاعة ، وإليهم الإشارة بقوله تعالى : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).
وأهل البغي والعدوان ، وهم المراد بقوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ).
وأهل الجهل في دين الله ، وإليهم الإشارة بقوله تعالى : (وَلَا الضَّالِّينَ).
فإن قيل : لم قدم ذكر العصاة على ذكر الكفرة؟
قلنا : لأن كل أحد يحترز عن الكفر ، أما قد لا يحترز عن الفسق ، فكان أهم فقدم لهذا السّبب ذلك.
قال ابن الخطيب ـ رحمهالله تعالى ـ : ها هنا سؤال ، وهو أن غضب الله إنما تولّد عن علمه بصدور القبيح والجناية (١) عنه ، فهذا العلم إما أن يقال : إنه قديم ، أو محدث ، فإن كان قديما فلم خلقه ، ولم أخرجه من العدم إلى الوجود ، مع علمه بأنه لا يستفيد من دخوله في الوجود إلا العذاب الدّائم ، ولأنه من كان غضبان على الشّيء كيف [يعقل](٢) إقدامه على إيجاده وتكوينه؟ فإن كان ذلك العلم حادثا لكان الباري ـ تعالى ـ محلّا للحوادث ، إلّا أنه يلزم أن يفتقر إحداث ذلك العلم إلى سبق علم آخر ، وتسلسل ، وهو محال.
والجواب : يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد.
سؤال آخر
وهو أن من أنعم الله ـ تعالى ـ عليه امتنع أن يكون مغضوبا عليه ، وأن يكون من الضّالين ، فلما ذكر قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، فما الفائدة في أن ذكر عقيبه : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)؟
والجواب : الإيمان إنما يكمل بالرّجاء والخوف ، كما قال عليه الصلاة والسلام : «لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا» (٣) ، فقوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) يوجب الرّجاء الكامل ، وقوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) يوجب الخوف الكامل ، وحينئذ يقوى الإيمان بركنيه وطرفيه ، وينتهي إلى حدّ الكمال.
سؤال آخر
ما الحكمة في أنه ـ تعالى ـ جعل المقبولين طائفة واحدة ، وهم الذين أنعم الله عليهم ، والمردودين فريقين : المغضوب عليهم ، والضّالين؟
__________________
(١) في أ : الخيانة.
(٢) سقط في أ.
(٣) ذكره السيوطي في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ١٣٣ والأسرار المرفوعة لعلي القاري ٢٩٦ ـ وتنزيه الشريعة لابن عراق ٢ / ٤٠٢.