واعلم أن «لا» لفظ مشترك بين النّفي ، وهي فيه على قسمين :
قسم تنفي فيه الجنس فتعمل عمل إنّ كما تقدم ، وقسم تنفي فيه الوحدة ، وتعمل حينئذ عمل «ليس» ، ولها قسم آخر ، وهو النهي والدّعاء فتجزم فعلا واحدا ، وقد تجيء زيادة كما تقدم في قوله : (وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : ٧].
و «الرّيب» : الشّك مع تهمة ؛ قال في ذلك : [الخفيف]
١١١ ـ ليس في الحقّ يا أميمة ريب |
|
إنّما الرّيب ما يقول الكذوب (١) |
وحقيقته على ما قال الزّمخشري : «قلق النفس واضطرابها».
ومنه الحديث : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (٢).
ومنه أنه مرّ بظبي خائف فقال : «لا يربه أحد بشيء».
فليس قول من قال : «الرّيب الشك مطلقا» بجيّد ، بل هو أخصّ من الشّك كما تقدم.
وقال بعضهم : في «الرّيب» ثلاثة معان :
__________________
ـ فتحة إعراب ، وأن تنوينه حذف تخفيفا ؛ وهو ضعيف. وإن كان مضافا ، أو شبيها به ، نصب ، ولم بين ؛ لئلّا يلزم تركيب أكثر من شيئين ، نحو : لا طالب علم محروم ، ولا خيرا من زيد حاضر. وذكر الشلوبين : أنه لا خلاف في أن الخبر مرفوع ب «لا» ، عند عدم تركيبها مع اسمها ، وأما إذا بني الاسم معها فمذهب سيبويه أن الخبر مرفوع ، بما كان مرفوعا به قبل التركيب ، و «لا» واسمها في موضع رفع بالابتداء. وذهب الأخفش ، وكثير من النحويين ، إلى أنها رفعت الخبر ، مع التركيب ؛ كما ترفعه مع عدم التركيب.
الثاني : العاملة عمل «ليس». ولا تعمل أيضا إلّا في النكرة ؛ كقول الشاعر :
تعزّ ، فلا شيء ، على الأرض باقيا |
|
ولا وزر ، ممّا قضى الله ، واقيا |
ومنع المبرّد ، والأخفش ، إعمال «لا» عمل «ليس». وحكى ابن ولّاد ، عن الزجّاج : أنها أجريت مجرى «ليس» ، في رفع الاسم خاصة ، ولا تعمل في الخبر شيئا ، والسماع المتقدم يرد عليهم.
وأجاز ابن جني إعمال «لا» عمل «ليس» في المعرفة. ووافقه ابن مالك ؛ وذكره ابن الشجري.
الثالث : النافية غير العاملة. ولها ثلاثة أنواع : عاطفة ، وجوابية ، وغيرهما.
ينظر الجني الداني : ص ٢٩٠ ـ ٢٩٤ ، مصابيح المغاني في حروف المعاني : ص ٤٣٣ ، حروف المعاني للزجاج : ص ٨.
(١) البيت لعبد الله بن الزبعرى ، ينظر الأعلام : ٤ / ٨٧ ، البحر المحيط : (١ / ١٥٥) ، القرطبي : (١ / ١١٢) ، الدر : (١ / ٩٢).
(٢) أخرجه الترمذي في السنن (٤ / ٥٧٦ ـ ٥٧٧) كتاب صفة القيامة والرقائق والورع (٣٨) باب (٦٠) حديث رقم (٢٥١٨) وقال هذا حديث حسن صحيح والنسائي في السنن (٨ / ٣٠٠) كتاب القضاة باب ٤٨ ـ وأحمد في المسند (١ / ٢٠٠) ، (٣ / ١١٢ ، ١٥٣) ـ وابن حبان في الموارد حديث رقم (٥١٢) ـ والبيهقي في السنن (٥ / ٣٣٥) ـ والحاكم في المستدرك (٢ / ١٣) ، (٤ / ٩٩) والطبراني في الكبير (٣ / ٧٥) ـ وذكره الهيثمي في الزوائد ١ / ٣٨ ، ١٠ / ١٥٢.