النبوة ، فلا شكّ أن هذه المطالب أشرف المطالب ، فإذا لم يكن القرآن هدى فيها ، فكيف جعله الله هدى على الإطلاق؟
الجواب : ليس من شرط كونه هدى أن يكون هدى في كل شيء ، بل يكفي فيه أن يكون هدى في بعض الأشياء ، وذلك بأن يكون هدى في تعريف الشّرائع ، أو يكون هدى في تأكيد ما في العقول ، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن المطلق لا يقتضي (١)
__________________
(١) تعريف المطلق والمقيد في اللغة :
أولا : معنى المطلق في اللغة :
الأصل في مادة «طلق» هو التخلية والإرسال ، ورد في لسان العرب : يعير طلق وطلق بغير قيد ، وأطلقه ، فهو طليق ومطلق : سرحه ، والجمع طلقاء ، والطلقاء : الأسراء العتقاء ، والتطليق : التخلية والإرسال وحل العقد ، ويكون الإطلاق بمعنى الترك والإرسال. وفي معجم مقاييس اللغة ٣ / ٤٢٠ أن مادة «طلق» تدل على التخلية والإرسال ، ومن المجاز قولهم : امرأة طالق وطالقة ؛ إذا طلقها زوجها وسجنوه طلقا : غير مقيد.
وتنوعت آراء الأصوليين في تعريف المطلق والمقيد ؛ وذلك لاختلافهم في اعتبار كل منهما على طريقين هما :
الأول : من ذهب إلى التسوية بين المطلق والنكرة ؛ لأن هناك شبها بينهما ، ولما كانت النكرة تدل على الفرد الشائع ـ أي المنتشر ، فالمطلق عند هؤلاء يدل على الفرد الشائع ؛ لأنه فرد من أفراد النكرة ، فهو تابع لها بما تدل عليه ، ومن أنصار هذا الرأي : جمهور الشافعية ومن وافقهم من العلماء ، ومنهم سيف الدين الآمدي ، وابن الحاجب.
الثاني : وهو مذهب جمهور الأحناف ، والسبكي ، والقرافي ، والأصفهاني ، وابن ملك صاحب المنار ، وغيرهم ؛ حيث يرون أن المطلق يغاير النكرة ، فليس ثمة شبه بين اللفظين ؛ لأن النكرة تدل على الفرد الشائع ، بيما المطلق يدل على الماهية المطلقة بلا قيد.
معنى المطلق اصطلاحا :
تنوعت آراء الأصوليين في تعريف المطلق ؛ على مذهبين رئيسيين هما :
المذهب الأول : ويمثله جمهور الشافعية ومن لف لفهم من الفقهاء ؛ الذين سووا بين المطلق والنكرة ، وقد ذهب سيف الدين الآمدي إلى تعريف المطلق بأنه : النكرة في سياق الإثبات ، أي : الوحدة الشائعة ؛ لأن النكرة في الإثبات إنما تنصرف إلى الفرد المنتشر. وعرفه ابن الحاجب : بما دلّ على شائع في جنسه ، وقد اختار هذا التعريف صاحب «التلويح» ، وصاحب «المرآة» من الحنفية ، وعبر عنه في «المرآة» فقال : المطلق : وهو الشائع في جنسه. وعرفه ابن قدامة : بأنه المتناول لواحد بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه ، وهي النكرة في سياق الأمر.
المذهب الثاني : وهو مذهب الجمهور من الأحناف ، ومنهم : البزدوي ؛ وكذلك القرافي في «التنقيح» ، وابن السبكي في «جمع الجوامع» ، «الإبهاج شرح المنهاج».
قال البزدوي : المطلق هو المتعرض للذات دون الصفات ، لا بالنفي ولا بالإثبات ، أي : أنه الدال على الماهية من حيث هي هي ، ومثله للفناري في «فصول البدائع». وقال ابن ملك في شرحه على «المنار» : المطلق هو ما لم يكن موصوفا بصفة على حدة.
وقال القرافي : المطلق : هو كل حقيقة اعتبرت من حيث هي هي ، أي : أنه الدال على الماهية بلا قيد ، إلا أن الإطلاق عنده أمر نسبي اعتباري ؛ فقد يكون المطلق مقيدا ـ كرقبة ـ مطلقا بالنظر لقيد الإيمان في ـ