وتارة ترك المعصية كقوله تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ) [البقرة : ١٨٩] أي : فلا تعصوه.
وتارة الإخلاص كقوله : (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج : ٣٠] أي : من إخلاص القلوب.
وهاهنا سؤالات :
السؤال الأول : كون الشّيء هدى ودليلا لا يختلف بحسب شخص دون شخص فلماذا جعل القرآن هدى للمتّقين فقط؟ وأيضا فالمتقي مهتدي ، والمهتدي لا يهتدي ثانيا ، والقرآن لا يكون هدى للمتقين؟
والجواب : أن القرآن كما أنه هدى للمتقين ، ودلالة لهم على وجود الصانع ، وعلى صدق رسوله ، فهو أيضا دلالة للكافرين ؛ إلا أن الله تبارك وتعالى ذكر المتقين مدحا ليبين أنهم هم الذين اهتدوا ، وانتفعوا به كما قال : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٥] وقال : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) [يس : ١١].
وقد كان عليه الصلاة والسلام منذرا لكلّ الناس ، فذكر هؤلاء الناس لأجل أن هؤلاء هم الذين انتفعوا بإنذاره.
وأما من فسر الهدى بالدلالة الموصلة إلى المقصود ، فهذا السؤال زائل عنه ؛ لأن كون القرآن موصلا إلى المقصود ليس إلّا في حق المتقين.
السّؤال الثاني : كيف وصف القرآن كله بأنه هدى ، وفيه مجمل ومتشابه كثير ، ولو لا دلالة العقل لما تميز المحكم عن المتشابه ، فيكون الهدى في الحقيقة هو الدلالة العقلية لا القرآن؟
ونقل عن علي بن أبي طالب أنه قال لابن عباس حين بعثه رسولا إلى الخوارج : لا تحتجّ عليهم بالقرآن ، فإنه خصم ذو وجهين ، ولو كان هدى لما قال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ذلك فيه ، ولأنا نرى (١) جميع فرق الإسلام يحتجون به ، ونرى القرآن مملوءا من آيات بعضها صريح في الجبر ، وبعضها صريح في القدر ؛ فلا يمكن التوفيق بينهما إلّا بالتعسّف الشديد ، فكيف يكون هدى؟
الجواب : أن ذلك المتشابه والمجمل لما لم ينفك عما هو المراد على التعيين (٢) ـ وهو إما دلالة العقل ، أو دلالة السمع ـ صار كله هدى.
السؤال الثالث : كل ما يتوقّف كون القرآن حجّة على صحته لم يكن القرآن هدى فيه ، فإذا استحال كون القرآن هدى في معرفة ذات الله ـ تعالى ـ وصفاته ، وفي معرفة
__________________
(١) في أ : ولا نرى.
(٢) في أ : المتقين.