وفي الحديث : «كان إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول الله صلىاللهعليهوسلم» (١).
أي : إذا اشتد الحرب جعلناه حاجزا بيننا وبين العدو ، فكأن المتقي جعل الامتثال لأمر الله ، والاجتناب عما نهاه حاجزا بينه وبين العذاب. وقال عمر بن الخطّاب لكعب الأحبار : «حدثني عن التقوى ، فقال : هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال : نعم ، قال : فما عملت فيه؟ قال : حذرت وشمّرت ، قال كعب : ذلك التّقوى». وقال عمر بن عبد العزيز : التقوى ترك ما حرّم الله ، وأداء ما افترض الله ، فما رزق الله بعد ذلك فهو خير (٢) إلى خير.
وقال ابن عمر : التّقوى ألا ترى نفسك خيرا من أحد.
إذا عرفت هذا فنقول : إن الله ـ تعالى ـ ذكر المتقي هاهنا في معرض المدح ، [ولن يكون ذلك](٣) بأن يكون متقيا في أمور الدنيا بل بأن يكون متقيا فيما يتصل بالدّين ، وذلك بأن يكون آتيا بالعبادات ، محترزا عن المحظورات. واختلفوا في أنه هل يدخل اجتناب الصّغائر في التقوى؟ فقال بعضهم : يدخل كما تدخل الصّغائر في الوعيد.
وقال آخرون : لا يدخل ، ولا نزاع في وجوب التوبة عن الكلّ ، إنما النزاع في أنه إذا لم يتوقّ الصغائر هل يستحق هذا الاسم؟
فروي عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال : «لا يبلغ العبد درجة المتّقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس» (٤). وعن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنهم الذين يحذرون من الله العقوبة في ترك ما يميل الهوى إليه ، ويرجون رحمته بالتّصديق بما جاء منه.
واعلم أن حقيقة التقوى ، وإن كانت هي التي ذكرناها إلّا أنها قد جاءت في القرآن ، والغرض الأصلي منها الإيمان تارة ؛ كقوله تعالى : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) [الفتح : ٢٦] أي : التوحيد (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) [الحجرات : ١٣] ، (قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ) [الشعراء : ١١] أي : لا يؤمنون.
وتارة التوبة كقوله تبارك وتعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا) [الأعراف : ٩٦] ، (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون : ٥٢].
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (١ / ١٥٦) عن علي بن أبي طالب مرفوعا بلفظ : كان إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(٢) في أ : كان.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه الترمذي رقم (٢٤٥١) وابن ماجه (٢ /) رقم (٤٢١٥) والبيهقي (٢ / ٣٢٥) والطبراني (١٧ / ١٦٩).
وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٧) وعزاه لأحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم والبيهقي في «الشعب» عن عطية السعدي مرفوعا.