وأما معرفة الكتب والرسل واليوم الآخر فقد زعم أنها غير داخلة في حدّ الإيمان.
وحكى الكعبي (١) عنه : أنّ الإيمان معرفة الله مع معرفة كلّ ما علم بالضّرورة كونه من دين محمد.
ثانيهما : أنّ الإيمان مجرّد التصديق بالقلب ، وهو قول الحسين بن الفضل البجلي.
الفرقة الرابعة الذين قالوا : الإيمان هو الإقرار باللسان فقط ، وهم فريقان :
الأول : أن الإقرار باللسان هو الإيمان فقط ، لكن شرط كونه إيمانا حصول المعرفة في القلب ، فالمعرفة شرط لكون الإقرار اللساني إيمانا ، لا أنها داخلة في مسمى الإيمان ، وهو قول غيلان بن مسلم الدّمشقي (٢) ، والفضل الرقاشي ، وإن كان الكعبي قد أنكر كونه ل «غيلان».
الثاني : أن الإيمان مجرد الإقرار باللسان ، وهو قول الكرامية ، وزعموا أن المنافق مؤمن الظاهر كافر السريرة ، فثبت له حكم المؤمنين في الدنيا ، وحكم الكافرين في الآخرة ، فهذا مجموع أقوال الناس في مسمى الإيمان في عرف الشرع.
و «بالغيب» متعلّق ب «يؤمنون» ، ويكون مصدرا واقعا موقع اسم الفاعل ، أو اسم المفعول ، وفي هذا الثاني نظر ؛ لأنه من «غاب» وهو لازم ، فكيف يبنى منه اسم مفعول حتى يقع المصدر موقعه؟ إلا أن يقال : إنه واقع موقع اسم مفعول من «فعّل» مضعفا متعديا ، أي : المغيّب ، وفيه بعد. وقال الزمخشري (٣) : يجوز أن يكون مخففا من «فيعل» نحو : «هيّن» من «هين» ، و «ميّت» من «ميت». وفيه نظر ؛ لأنه لا ينبغي أن يدعى ذلك فيه حتى يسمع مثقلا كنظائره ، فإنها سمعت مخففة ومثقلة ، ويبعد أن يقال : التزم التخفيف في هذا خاصّة. ويجوز أن تكون «الباء» للحال فيتعلّق بمحذوف أي : يؤمنون
__________________
ـ علينا مع اليمانية أكثر مما قمت» وأمر بقتله ، فقتل سنة ١٢٨ ه.
ينظر ميزان الاعتدال : ١ / ١٩٧ ، الأعلام : ٢ / ١٤١.
(١) عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي ، من بني كعب ، البلخي الخراساني ، أبو القاسم : أحد أئمة المعتزلة. كان رأس طائفة منهم تسمى «الكعبية» وله آراء ومقالات في الكلام انفرد بها ، وهو من أهل «بلخ» ، أقام ب «بغداد» مدّة طويلة ، له كتب ، منها : «التفسير» و «تأييد مقالة أبي الهذيل» ، وصنّف في «الكلام» كتبا كثيرة وانتشرت كتبه ببغداد. ولد سنة ٢٧٣ ه وتوفي سنة ٣١٩ ه.
انظر تاريخ بغداد : ٩ / ٣٨٤ ، المقريزي : ٢ / ٣٤٨ ، الأعلام : ٤ / ٦٥.
(٢) غيلان بن مسلم الدمشقي ، أبو مروان : كاتب ، من البلغاء ، تنسب إليه فرقة «الغيلانية» من القدرية ، وهو ثاني من تكلّم في القدر ودعا إليه ، لم يسبقه سوى معبد الجهني ، قال الشهرستاني : كان غيلان يقول بالقدر خيره وشرّه من العبد ، وفي الإمامة أنها تصلح في غير قريش ، ناظره الأوزاعي فأفتى الأوزاعي بقتله ، فصلب على باب كيسان ب «دمشق».
انظر الملل والنحل : ١ / ٢٢٧ ، مفتاح السعادة : ٢ / ٣٥ ، الأعلام : ١ / ١٢٤.
(٣) ينظر الكشاف : ١ / ٣٩.