أحدهما : اختلفوا في حقيقة هذه (١) المعرفة ، فمنهم من فسّرها بالاعتقاد الجازم ـ سواء كان اعتقادا تقليديا ، أو كان علما صادرا عن الدليل ـ وهم الأكثرون الذين يحكمون بأن المقلّد مسلم.
ومنهم من فسرها بالعلم الصادر من الاستدلال.
وثانيهما : اختلفوا في أن العلم المعتبر في تحقيق الإيمان علم بماذا؟ قال بعض المتكلّمين : هو العلم بالله ، وبصفاته على سبيل الكمال والتمام ، ثم إنه لما كثر اختلاف الخلق في صفات الله تعالى لا جرم أقدم كلّ طائفة على تكفير من عداها من الطوائف.
وقال أهل الإنصاف : المعتبر هو العلم بكل ما علم بالضرورة كونه من دين محمد عليه الصّلاة والسلام ، فعلى هذا القول العلم بكونه تعالى عالما بالعلم ، أو عالما بذاته ، وبكونه مرئيا أو غير مرئي ، لا يكون داخلا في مسمى الإيمان.
القول الثاني : أن الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان معا ، وهو قول بشر بن غياث المريسي (٢) ، وأبي الحسن الأشعري (٣) ، والمراد من التصديق بالقلب الكلام القائم بالنفس.
القول الثالث : قول جماعة من الصّوفية : الإيمان إقرار باللسان ، وإخلاص بالقلب.
الفرقة الثالثة الذين قالوا : الإيمان عبارة عن عمل القلب فقط ، وهؤلاء اختلفوا على قولين:
أحدهما : أن الإيمان معرفة الله بالقلب ، حتى إن من عرف الله بقلبه ، ثم جحد بلسانه ومات قبل أن يقرّ به فهو مؤمن كامل الإيمان ، وهو قول جهم بن صفوان (٤)
__________________
(١) في أ : تلك.
(٢) بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسي العدوي بالولاء أبو عبد الرحمن فقيه معتزلي عارف بالفلسفة يرمى بالزندقة ، وقال برأي الجهمية وللدارمي كتاب «النقض على بشر المريسي» في الرد على مذهبه. توفي ٢١٨ ه.
ينظر وفيات الأعيان : ١ / ٩١ ، النجوم الزاهرة : ٢٢٨ ، تاريخ بغداد : ٧ / ٥٦ ، ميزان الاعتدال : ١ / ١٥ ، الجواهر المضية : ١ / ١٦٤ ، اللباب : ٣ / ١٢٨ ، الأعلام : ٢ / ٥٥.
(٣) علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى ، الشيخ أبو الحسن الأشعري البصري ، إمام المتكلمين ، وناصر سنة سيد المرسلين ، والذاب عن الدين ، والمصحح لعقائد المسلمين ، مولده سنة ستين ومائتين ، وقيل سنة سبعين. كانت المعتزلة قدر رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله الأشعري فحجرهم في أقماع السمسم. قال الخطيب البغدادي : أبو الحسن الأشعري ، المتكلم ، صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة ، والرافضة ، والجهمية ، والخوارج وسائر أصناف المبتدعة. توفي سنة ٣٢٤ ه وقيل ٣٢٠ ه وقيل ٣٣٠ ه.
ينظر الأعلام : ٥ / ٦٩ ، تاريخ بغداد : ١١ / ٣٤٦ ، وفيات الأعيان : ٢ / ٤٤٦ ، ابن قاضي شهبة : ١ / ١١٣.
(٤) جهم بن صفوان السمرقندي ، أبو محرز ، من موالي بني راسب : رأس «الجهمية» قال الذهبي : الضالّ المبتدع ، هلك في زمان صغار التابعين وقد زرع شرّا عظيما. كان يقضي في عسكر الحارث بن سريج ، الخارج على أمراء خراسان ، فقبض عليه نصر بن سيار ، فطلب جهم استبقاءه ، فقال نصر : «لا تقوم ـ