وثالثها : أن الإيمان عبارة عن [اجتناب كل ما جاء فيه الوعيد. ثم يحتمل أن يكون من الكبائر ما لم يرد فيه الوعيد.
فالمؤمن عند الله كل من اجتنب](١) كل الكبائر ، والمؤمن عندنا كل من اجتنب ما ورد فيه الوعيد ، وهو قول النّظام (٢) ، ومن أصحابه من قال : شرط كونه مؤمنا عندنا وعند الله اجتناب الكبائر كلها.
وأما أهل الحديث فذكروا وجهين :
الأول : أن المعرفة إيمان كامل وهو الأصل ، ثم بعد ذلك كل طاعة إيمان على حدة ، وهذه الطاعات لا يكون شيء منها إيمانا إلّا إذا كانت مرتبة على الأصل الذي هو المعرفة.
وزعموا أن الجحود وإنكار القلب كفر ، ثم كل معصية بعده كفر على حدة ، ولم يجعلوا شيئا من الطاعات إيمانا ما لم توجد المعرفة والإقرار ، ولا شيئا من المعاصي كفرا ما لم يوجد الجحود والإنكار ؛ لأن الفرع لا يحصل بدون ما هو أصله ، وهو قول عبد الله بن سعيد بن كلاب (٣).
والثاني : زعموا أن الإيمان اسم للطاعات كلها ، وهو إيمان واحد ، وجعلوا الفرائض والنوافل كلها من جملة الإيمان ، ومن ترك شيئا من الفرائض فقد انتقص إيمانه ، ومن ترك النوافل لا ينتقص إيمانه.
ومنهم من قال : الإيمان اسم للفرائض دون النوافل.
الفرقة الثانية الذين قالوا : الإيمان باللّسان والقلب معا ، وقد اختلف هؤلاء على مذاهب :
الأول : أن الإيمان إقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، وهو قول أبي حنيفة وعامّة الفقهاء ، ثم هؤلاء اختلفوا في موضعين :
__________________
ـ منها «الشامل» في الفقه ، و «تذكرة العالم» ، و «العدة» في أصول الفقه.
انظر المقريزي : ٢ / ٣٤٨ ، وفيات الأعيان : ١ / ٢٩٢ ، البداية والنهاية : ١١ / ١٧٦ ، الأعلام : ٤ / ٧.
(١) سقط في أ.
(٢) إبراهيم بن سيار بن هانىء البصري ، أبو إسحاق النظامي من أئمة المعتزلة في لسان الميزان أنه متهم بالزندقة ، وكان شاعرا أديبا بليغا وذكروا أن له كتبا كثيرا في الفلسفة والاعتزال ولمحمد عبد الهادي أبي ريدة كتاب «إبراهيم بن سيار النظام» توفي ٢٣١ ه.
ينظر تاريخ بغداد : ٦ / ٩٧ ، أمالي المرتضى : ١ / ١٣٢ ، اللباب : ٣ / ٢٣٠ ، خطط المقريزي : ١ / ٣٤٦ ، سفينة البحار : ٢ / ٥٩٧ ، الأعلام : ١ / ٤٣.
(٣) عبد الله بن سعيد بن كلّاب ، أبو محمد القطان : متكلم من العلماء يقال له «ابن كلاب». قال السبكي : وكلاب بضم الكاف وتشديد اللام ، قيل : لقب بها لأنّه كان يجتذب الناس إلى معتقدة إذا ناظر عليه كما يجتذب الكلاب الشيء. له كتب ، منها «الصفات» و «خلق الأفعال» و «الرد على المعتزلة» توفي سنة ٢٤٥ ه.