أن جبريل سمع في السماء كلام الله ـ تعالى ـ فنزل على الرسول به ، كما يقال : نزلت
__________________
وفي القاموس المحيط : «الوحي : الإشارة والكتابة ؛ والمكتوب والرسالة ؛ والإلهام والكلام الخفي ؛ وكل ما ألقيته لغيرك».
وقال الراغب : «أصل الوحي : الإشارة السريعة ؛ ولتضمن السرعة قيل : أمر وحي ، يعني : سريع ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعويض ؛ وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب ؛ وبإشارة بعض الجوارح وبالكتابة ، وقد حمل على ذلك قوله ـ تعالى ـ عن زكريا ـ عليهالسلام ـ : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ ؛ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ : أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) أي : أشار إليهم ولم يتكلم.
ومنه : الإلهام الغريزي ؛ كالوحي إلى النحل ، قال تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) ؛ وإلهام الخواطر بما يلقيه الله في روع الإنسان السليم الفطرة ، الطاهر الروح ؛ كالوحي إلى «أمّ موسى» ؛ ومنه ضده ؛ وهو وسوسة الشيطان ، قال ـ تعالى ـ : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) ، وقال : «وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ، يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً. فالخلاصة في معنى الوحي اللغوي : أنه الإعلام الخفي السريع ؛ وهو أعمّ من أن يكون بإشارة أو كتابة أو رسالة ؛ أو إلهام غريزي ؛ أو غير غريزي ، وهو بهذا المعنى لا يختصّ بالأنبياء ؛ ولا بكونه من عند الله سبحانه.
وأما في الشرع : فيطلق ويراد به : المعنى المصدري ، ويطلق ويراد به : المعنى الحاصل بالمصدر ، ويطلق ويراد به : الموحى به.
ويعرف من الجهة الأولى : بأنه «إعلام الله أنبياءه بما يريد أن يبلغه إليهم ، من شرع أو كتاب ، بواسطة أو غير واسطة» فهو أخصّ من المعنى اللغوي ؛ لخصوص مصدره ومورده ؛ فقد خص المصدر بالله سبحانه ؛ وخص المورد بالأنبياء.
ويعرف من الجهة الثانية : بأنه عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من عند الله ؛ سواء أكان الوحي بواسطة أم بغير واسطة.
ويعرف من الجهة الثالثة : بأنه ما أنزله الله على أنبيائه ؛ وعرفهم به من أنباء الغيب ، والشرائع ، والحكم ، ومنهم من أعطاه كتابا ، ومنهم من لم يعطه».
ينقسم الوحي باعتبار معناه المصدري إلى ما يأتي :
١ ـ تكليم الله نبيه بما يريد من وراء حجاب ؛ إما في اليقظة : وذلك مثل ما حدث لموسى عليهالسلام ؛ قال تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) ؛ ومثل ما حدث لنبينا «محمد» ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ليلة الإسراء والمعراج.
ولأهل السنة قولان في الكلام المسموع : فقيل : هو الكلام النفسي القديم المجرد عن الحروف والأصوات ، وقيل : هو كلام لفظي يخلقه الله ، بحيث يعلم سامعه أنه موجه إليه من قبل الله ، والقائلون بهذا لا ينكرون صفة «الكلام».
أما الثاني فواضح ، وأما الأول فلا استحالة فيه ؛ لأن الثابت أن النبي قد خصّ بمزايا وخصائص لم توجد في غيره من أفراد نوعه ، وأن نفسه بأصل فطرتها ـ مستعدة لما لم تستعد له نفوس غيره ، فلا مانع إذا أن يسمع الكلام النفسي بطريقة غير مألوفة ، ولا معروفة لنا ، ويكون ذلك من خوارق النواميس العادية المعروفة لنا.
وأما في المنام : كما في حديث «معاذ» مرفوعا : «أتاني ربي ، فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى؟ ...» الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده ، والترمذي في سننه وقال : حسن صحيح.
٢ ـ الإلهام أو القذف في القلب : بأن يلقي الله ، أو الملك الموكل بالوحي في قلب نبيه ما يريد ، مع ـ