هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى ..)(١).
وبه مخرج الأمة من أزماتها ، ونجاتها من الفتن .. يقول علي ـ كرم الله وجهه ـ : قلت يا رسول الله ستكون فتن ، فما المخرج منها؟
قال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، هو حبل الله المتين ، والذكر الحكيم ، والصراط المستقيم ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه. من قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن خاصم به أفلح ، ومن دعى إليه هدي إلى صراط مستقيم».
ـ ولكي يكون معجزا ويتأتى تحديه للبشر ..
ـ ولكي يتأتى اتخاذه دستورا ومنهج حياة ..
ـ ولكي يتدبر المؤمنون آياته (٢) ..
ـ ولكي يستطيع المسلمون العرب الانطلاق بالدعوة (٣) .. لكل هذا جاء القرآن عربيا.
وكان القوم ـ «عند نزوله ـ سواء من هو حجة له : من المؤمنين الصادقين ، ومن هو حجة عليه : من الكافرين الجاحدين ، يفهمونه ويحيطون بمعانيه إفرادا وتركيبا فيتلقون دعوته ، ويدركون مواعظه ، ويعون تحديه بالإعجاز بين مذعنين ، يقولون : آمنا به ، ومعاندين يلحدون في آياته ، ويمعنون في معارضته كيدا وليا بألسنتهم وطعنا في الدين.
فما كان منهم من تعذر عليه فهمه ، ولا من خفيت عليه مقاصده ومعانيه ، بل كان وضوح معانيه ، ويسر فهمه ، هو الأصل فيما قام حوله من صراع بين مؤمن يجد فيه شفاء نفسه ، وانشراح صدره ، وكافر ينقبض لقوارع آياته فلا يزال يدفعها بالإعراض والمعارضة ، والدفاع والمقارعة ، وكان ذلك هو الأصل أيضا في تكون الأمة المحمدية ، وتولد التاريخ الإسلامي» (٤).
يقول «ابن خلدون» (٥) :
«إن القرآن نزل بلغة العرب ، وعلى أساليب بلاغتهم ، فكانوا كلهم يفهمونه ، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه».
__________________
(١) سورة طه : ١٢٣ ـ ١٢٦.
(٢) قال تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) ...
(٣) قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) ....
(٤) التفسير ورجاله / محمد الفاضل بن عاشور ص ٧ ـ ٨.
(٥) المقدمة ص ٣٦٧ ط الأزهرية سنة ١٩٣٠.