التسوية جرى على الخبر لفظ الاستفهام ؛ لمشاركته إيّاه في الإبهام ، فكلّ استفهام تسوية وإن لم تكن كل تسوية استفهاما ، إلّا أن بعضهم ناقشه في قوله : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه «الخبر» بما معناه : أن هذا الذي صورته صورة استفهام ليس معناه الخبر ؛ لأنه مقدر بالمفرد كما تقدم ، وعلى هذا فليس هو وحده في معنى الخبر ؛ لأن الخبر جملة ، وهذا في تأويل مفرد ، وهي مناقشة لفظية.
وروي الوقف على قوله : (أَمْ لَمْ) تنذر» والابتداء بقوله : «هم (لا يُؤْمِنُونَ) على أنها جملة من مبتدأ وخبر. وهذا ينبغي ألا يلتفت إليه ، وإن كان قد نقله الهذليّ في «الوقف والابتداء» له.
وقرىء «أأنذرتهم» بهمزتين محقّقتين بينهما ألف ، وبهمزتين محقّقتين بلا ألف بينهما وهي لغة «بني تميم» ، وأن تكون الأولى قوية ، والألف بينهما ، وتخفيف الثانية بين بين ، وهي لغة «الحجاز» وبتقوية الهمزة الأولى ، وتخفيف الثانية ، وبينهما ألف. فمن إدخال الألف بين الهمزتين تخفيفا وتحقيقا قوله : [الطويل]
١٥٥ ـ أيا ظبية الوعساء بين جلاجل |
|
وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم (١)؟ |
وقال آخر : [الطويل]
١٥٦ ـ تطاللت فاستشرفته فعرفته |
|
فقلت له آأنت زيد الأرانب (٢)؟ |
وروي عن ورش (٣) إبدال الثّانية ألفا محضة.
ونسب الزمخشري هذه القراءة للّحن ، قال : لأنه يؤدّي إلى الجمع بين ساكنين على غير حدّهما ، ولأن تخفيف مثل هذه الهمزة إنما هو بين بين. وهذا منه ليس بصواب ، لثبوت هذه القراءة تواترا.
__________________
(١) البيت لذي الرمة ينظر ديوانه : ص ٧٥٠ ، وأدب الكاتب : ص ٢٢٤ ، والأزهية : ص ٣٦ ، والكتاب : ٣ / ٥٥١ ، ولسان العرب (جلل) ، وشرح المفصل : ١ / ٩٤ ، ٩ / ١١٩ ، وشرح أبيات سيبويه : ٢ / ٢٥٧ ، وشرح شواهد الشافية : ص ٣٤٧ ، والدرر : ٣ / ١٧ ، والخصائص : ٢ / ٤٥٨ ، والأغاني : ١٧ / ٣٠٩ ، وسر صناعة الإعراب : ٢ / ٧٢٣ ، واللمع : ص ١٩٣ ، ٢٧٧ ، ومعجم ما استعجم : ص ٣٨٨ ، والمقتضب : ١ / ١٦٣ ، والإنصاف : ٢ / ٤٨٢ ، وجمهرة اللغة : ص ١٢١٠ ، والجنى الداني : ص ١٧٨ ، ٤١٩ ، وخزانة الأدب : ٥ / ٢٤٧ ، ١١ / ٢٦٧ ، ورصف المباني : ص ٢٦ / ١٣٦ ، وشرح شافية ابن الحاجب : ٣ / ٦٤ ، وهمع الهوامع : ١ / ١٧٢ ، والكامل : (٣ / ٥٥). والأمالي الشجرية : (١ / ٣٢٠) ، والقرطبي : (١ / ١٢٩) والمخصص : (١٦ / ٤٩) ، والدر المصون : (١ / ١٠٥).
(٢) البيت لذي الرمة. ينظر ملحقات ديوانه : (٨٤٩). اللسان (الهمزة) ، والحجة : (١ / ٢٠٨) ، والجامع لأحكام القرآن : (١ / ١٨٥) ، والدر المصون : ١ / ١٠٦.
(٣) انظر البحر المحيط : ١ / ١٧٥ ، وقال تعقيبا على كلام الزمخشري : «وقراءة ورش صحيحة النقل لا تدفع باختيار المذاهب ...». وكلام الزمخشري في الكشاف : ١ / ٤٨ ، وانظر إتحاف فضلاء البشر : ١ / ٣٧٦.