المعنى في قوله : «أو يستكينون» ، ثم راعى اللفظ في : «إذا كافحته» ، وهذا الحمل جاز فيها في جميع أحوالها ، أعني من كونها موصولة وشرطية ، واستفهامية.
أما إذا كانت موصوفة فقال الشيخ أثير الدين أبو حيّان : «ليس في محفوظي (١) من كلام العرب مراعاة المعنى يعني فتقول : مررت بمن محسنون لك.
و «الآخر» صفة ل «اليوم» ، وهذا مقابل الأوّل ، ومعنى اليوم الآخر : أي عن الأوقات المحدودة.
ويجوز أن يراد به الوقت الّذي لا حدّ له ، وهو الأبد القائم الذي لا انقطاع له ، والمراد بالآخر : يوم القيامة.
«وما هم بمؤمنين» «ما» : نافية ، ويحتمل أن تكون هي الحجازية ، فترفع الاسم وتنصب الخبر ، فيكون «هم» اسمها ، و «بمؤمنين» خبرها ، و «الباء» زائدة تأكيدا.
وأن تكون التّميميّة ، فلا تعمل شيئا ، فيكون «هم» مبتدأ ، و «بمؤمنين» الخبر ، و «الباء» زائدة أيضا.
وزعم أبو علي الفارسيّ ، وتبعه الزمخشري أن «الباء» لا تزاد في خبرها إلّا إذا كانت عاملة ، وهذا مردود بقول الفرزدق (٢) ، وهو تميمي : [الطويل]
١٨٠ ـ لعمرك ما معن بتارك حقّه |
|
ولا منسىء معن ولا متيسّر (٣) |
إلا أنّ المختار في «ما» أن تكون حجازية ؛ لأنه لما سقطت «الباء» صرح بالنصب قال الله تعالى : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) [المجادلة : ٢](ما هذا بَشَراً) [يوسف :
__________________
(١) في أ : مخطوطي.
(٢) همّام بن غالب بن صعصعة التميمية الدارمي ، أبو فراس ، الشهير بالفرزدق : شاعر ، من النبلاء ، من أهل البصرة ، عظيم الأثر في اللغة ، كما يقال : لو لا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب ، ولو لا شعره لذهب نصف أخبار الناس ، يشبه بزهير بن أبي سلمى وكلاهما من شعراء الطبقة الأولى ، زهير في الجاهليين والفرزدق في الإسلاميين ، لقب بالفرزدق لجهامة وجهه وغلظه. توفي سنة ١١٠ ه.
انظر ابن خلكان : ٢ / ١٩٦ ، الأعلام : ٨ / ٩٣.
(٣) ينظر البيت في ديوانه : (٢٧٠) ، الكتاب : (١ / ٦٣) ، أمالي القالي : (٣ / ٨٢) ، الخزانة : (١ / ١٨١) ، الهمع : (١ / ١٢٨) ، الدر : (١ / ١٠٢) ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٤ / ٢٧١ ، وشرح الكافية الشافية: (١ / ٤٣٦) ، والدر المصون : ١ / ١١٢. ووضع الظاهر مقام المضمر إن كان في معرض التفخيم ، جاز قياسا ؛ كقوله تعالى : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) أي : ما هي ، وإن لم يكن في معرض التفخيم ، فعند «سيبويه» يجوز في الشعر ؛ بشرط أن يكون بلفظ الأول ، أي : في خبر المبتدأ وغيره ؛ كالشاهد الذي معنا بجر «منسىء» ، فإذا رفعته فهو غير مقدّم على المبتدأ ، وإن لم يكن بلفظ الأول ، لم يجز عنده ، وقال الأخفش : يجوز ، وإن لم يكن بلفظ الأول ، في الشعر كان أو في غيره.
كما استشهد بهذا البيت على زيادة الباء في خبر ما التميمية ؛ وكذلك العطف إن شئت على الموضع ؛ كقول الفرزدق السابق ، وهو تميمي.