وبغير شرط عندهم ، كقوله : [الرجز]
١٧٨ ـ قالت وكنت رجلا فطينا |
|
هذا لعمر الله إسرائينا (١) |
و «آمنا» فعل وفاعل ، و «بالله» متعلّق به ، والجملة في محلّ نصب بالقول ، وكررت «الباء» في قوله : «وباليوم» ، للمعنى المتقدّم في قوله : (وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ) [البقرة : ٧].
فإن قيل : الخبر لا بدّ وأن يفيد غير ما أفاد المبتدأ ، ومعلوم أنّ الذي يقول كذا هو من الناس لا من غيرهم؟
فالجواب : أنّ هذا تفصيل معنوي ، لأنه تقدّم ذكر المؤمنين ، ثم ذكر الكافرين ، ثم عقب بذكر المنافقين ، فصار نظير التّفصيل اللّفظي ، نحو قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ) [البقرة : ٢٠٤] ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي) [لقمان : ٦] ، فهو في قوّة تفصيل النّاس إلى مؤمن ، وكافر ، ومنافق.
وأحسن من هذا أن يقال : إنّ الخبر أفاد التّبعيض المقصود ؛ لأنّ النّاس كلهم لم يقولوا ذلك ، وهم غير مؤمنين ، فصار التقدير : وبعض الناس يقول كيت وكيت.
واعلم أن «من» وأخواتها لها لفظ ومعنى ، فلفظها مفرد مذكر ، فإن أريد بها غير ذلك ، فلك أن تراعي لفظها مرّة ، ومعناها أخرى ، فتقول : جاء من قام وقعدوا ، والآية الكريمة كذلك روعي اللفظ أولا فقيل : «من يقول» ، والمعنى ثانيا في «آمنا».
وقال ابن عطية (٢) : حسن ذلك ؛ لأن الواحد قبل الجمع في الرتبة ، ولا يجوز أن يرجع متكلّم من لفظ جمع إلى توحيد.
فلو قلت : «ومن الناس من يقومون» وتتكلّم لم يجز.
وفي عبارة ابن عطية نظر ، وذلك لأنّه منع من مراعاة اللّفظ بعد مراعاة المعنى ، وذلك جائز ، إلا أنّ مراعاة اللّفظ أولا أولى ، يرد عليه قول الشّاعر : [الخفيف]
١٧٩ ـ لست ممّن يكعّ أو يستكينو |
|
ن إذا كافحته خيل الأعادي (٣) |
وقال تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ) [الطلاق : ١١] إلى أن قال : «خالدين» ، فراعى المعنى ، ثم قال : «فقد أحسن الله له رزقا» ، فراعى اللفظ بعد مراعاة المعنى ، وكذا راعى
__________________
ـ (٤٥٤) ، (١٩٧) ، الدرر : (١ / ١٣٩) ، الشعر والشعراء : (٢ / ٦٩١) ، والمقرب : (١ / ٣٢٣) ، وشرح الألفية : (٢١٢) ، وشرح الأشموني : (٢ / ٣٦).
(١) ينظر الدرر : ١ / ١٣٩ ، المخصص : ١٣ / ٢٨٢ ، اللسان (يمن) ، الدر : ١ / ١١١.
(٢) ينظر المحرر الوجيز : ١ / ٩٠.
(٣) ينظر البحر المحيط : ١ / ١٨٣ ، الدر : ١ / ١١٢.