وقرىء (١) : «وما يخدّعون» ، ويخدّعون من خدّع مشددا.
و «يخدّعون» بفتح الياء والتشديد ؛ الأصل يختدعون ، فأدغم.
وقرىء (٢) : «وما يخادعون» ، «ويخادعون» على لفظ ما لم يسم فاعله ، وتخريجها على أن الأص ل «وما يخادعون إلّا عن أنفسهم» فلما حذف الجرّ انتصب على حدّ : [الوافر]
١٨٧ ـ تمرّون الدّيار فلم تعوجوا |
|
........... (٣) |
«إلا أنفسهم» «إلا» في الأصل حرف استثناء و «أنفسهم» مفعول به ، وهذا استثناء مفرغ ، وهو : عبارة عما افتقر فيه ما قبل «إلا» لما بعدها ، ألا ترى أن «يخادعون» يفتقر إلى مفعول؟ ومثله : «ما قام إلا زيد» ، ف «قام» يفتقر إلى فاعل ، والتّام بخلافه ، أي : ما لم يفتقر فيه ما قيل «إلا» لما بعدها ، نحو : قام القوم إلّا زيدا ، وضربت القوم إلا بكرا ، فقام قد أخذ فاعله ، وضربت أخذ مفعوله ، وشرط الاستثناء المفرّغ أن يكون بعد نفي ، أو شبهه كالاستفهام والنهي.
وأن قولهم : قرأت إلّا يوم كذا ، فالمعنى على نفي مؤول تقديره : ما تركت القراءة إلّا يوما ، هذا ومثله : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة : ٣٢] و (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) [البقرة : ٤٥].
وللاستثناء أحكام كثيرة تأتي مفصّلة في مواضعها إن شاء الله تعالى.
والنّفس : هنا ذات الشيء وحقيقته ، ولا تختص بالأجسام لقوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [المائدة : ١١٦](وَما يَشْعُرُونَ) هذه الجملة الفعلية يحتمل ألا يكون لها محلّ من الإعراب ؛ لأنها استئناف ، وأن يكون لها محلّ ، وهو النصب على الحال من فاعل «يخادعون» والمعنى : وما يرجع وبال خداعهم إلّا على أنفسهم غير شاعرين بذلك ، ومفعول «يشعرون» محذوف للعلم به ، تقديره : وما يشعرون أن وبال خداعهم راجع على أنفسهم ، واطّلاع الله عليهم.
والأحسن ألا يقدّر مفعول ؛ لأن الغرض نفي الشعور عنه ألبتة من غير نظر إلى متعلّقه ، والأوّل يسمى حذف الاختصار ، ومعناه : حذف الشيء بدليل.
والثاني يسمى حذف الاقتصار ، وهو حذف الشيء لا لدليل.
__________________
(١) وهي قراءة قتادة ومورق العجلي. انظر : البحر المحيط : ١ / ١٨٥ ، والقرطبي : ١ / ١٣٨ ، والمحرر الوجيز : ١ / ٩٠.
(٢) قرأ بها الجارود بن أبي سبرة وأبو طالوت عبد السلام بن شداد. انظر البحر المحيط : ١ / ١٨٥ ، والمحرر الوجيز : ١ / ٩٠ ، والدر المصون : ١ / ١١٥.
(٣) تقدم برقم (١٥٩).