والإكرام مجرى سائر المؤمنين إذا أظهروا لهم الإيمان.
الثاني : يجوز أن يكون مرادهم إفشاء النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أسراره ، والاطّلاع على أسرار المؤمنين ، فينقلونها إلى الكفار.
الثالث : أنهم دفعوا عن أنفسهم أحكام الكفار ، كالقتل وغيره.
الرابع : أنهم كانوا يطمعون في أموال الغنائم.
فإن قيل : فالله تعالى كان قادرا على أن يوحي إلى نبيه كيفية مكرهم وخداعهم ، فلم لم يفعل ذلك هتكا لسترهم؟
قلنا : هو قادر على استئصال «إبليس» وذريته ولكنه ـ تعالى ـ أبقاهم وقواهم ، إما لأنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، أو لحكمة لا يطلع عليها إلا هو.
وقوله : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) فيه وجهان :
الأول : أنه ـ تعالى ـ يجازيهم على ذلك ، ويعاقبهم عليه ، فلا يكونون في الحقيقة خادعين إلّا أنفسهم.
والثاني : ما ذكره أكثر المفسرين ، وهو أن وبال ذلك راجع إليهم في الدنيا ؛ لأن الله ـ تعالى ـ كان يدفع ضرر خداعهم عن المؤمنين ويصرفه إليهم ، وهو كقوله : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢] ونظائره.
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) الجار والمجرور خبر مقدّم واجب التقديم لما تقدّم ذكره في قوله تعالى: (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) [البقرة : ٧]. والمشهور تحريك الراء من «مرض».
وروى الأصمعي (١) عن أبي عمرو سكونها ، وهما لغتان في مصدر مرض يمرض.
«والمرض» : الفتور.
وقيل : الفساد.
وقيل : صفة توجب وقوع الخلل في الأفعال الصادرة عن الفاعل ، ويطلق على الظلمة ؛ وأنشدوا : [البسيط]
١٨٨ ـ في ليلة مرضت من كلّ ناحية |
|
فما يحسّ به نجم ولا قمر (٢) |
__________________
(١) عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي ، أبو سعيد الأصمعي ؛ راوية العرب وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان ولد ١٢٢ ه.
كان الرشيد يسميه شيطان الشعر ، قال الأخفش : ما رأينا أحدا أعلم بالشعر من الأصمعي وتصانيفه كثيرة منها الإبل مطبوع ، الأضداد مخطوط ، خلق الإنسان مطبوع وغيرها توفي سنة ٢١٦ ه.
ينظر السيرافي : ٥٨ ، جمهرة الأنساب : ٢٣٤ ، ابن خلكان : ١ / ٢٨٨ ، تاريخ بغداد : ١٠ / ٤١ ، نزهة الألبا : ١٥٠ ، طبقات النحويين ، الأعلام : ٤ / ١٦٢.
(٢) ينظر البحر المحيط : ١ / ١٨١ ، والدر المصون : ١ / ١١٦.