نسبة الألم إلى العذاب مجازا ، لأنّ الألم حلّ بمن وقع به العذاب لا بالعذاب ، فهو نظير قولهم : «شعر شاعر».
و (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) متعلّق بالاستقرار المقدر في «لهم» ، أي : استقر لهم عذاب أليم بسبب تكذيبهم.
و «ما» يجوز أن تكون مصدرية ، أي : بكونهم يكذبون ، وهذا على القول بأن ل «كان» مصدرا ، وهو الصحيح عند بعضهم للتصريح به في قول الشاعر : [الطويل]
١٩٠ ـ ببذل وحلم ساد في قومه الفتى |
|
وكونك إيّاه عليك يسير (١) |
فقد صرّح بالكون ، ولا جائز أن يكون مصدر «كان» التّامة لنصبه الخبر بعدها ، وهو «إياه» ، على أنّ للنظر في هذا البيت مجالا ليس هذا موضعه.
وعلى القول بأن لها مصدرا لا يجوز التصريح به معها ، لا تقول : «كان زيد قائما كونا» ، قالوا : لأن الخبر كالعوض من المصدر ، ولا يجمع بين العوض والمعوّض منه ، وحينئذ فلا حاجة إلى ضمير عائد على «ما» ؛ لأنها حرف مصدري على الصحيح ، خلافا للأخفش وابن السّراج في جعل المصدرية اسما.
ويجوز أن تكون «ما» بمعنى «الذي» ، وحينئذ فلا بدّ من تقدير عائد أي : بالذي كانوا يكذبونه ، وجاز حذف العائد لاستكمال الشّروط ، وهو كونه منصوبا متصلا بفعل ، وليس ثمّ عائد آخر.
وزعم أبو البقاء أن كون «ما» موصولة اسمية هو الأظهر ، قال : لأنّ الهاء المقدرة عائدة على «الّذي» لا على المصدر. وهذا الّذي قاله غير لازم ، إذ لقائل أن يقول : لا نسلّم أنه لا بدّ من هاء مقدّرة حتى يلزم جعل «ما» اسمية ، بل من قرأ (يَكْذِبُونَ) مخففا فهو عنده غير متعدّ لمفعول ، ومن قرأه مشددا فالمفعول محذوف لفهم المعنى أي : بما كانوا يكذبون الرّسول والقرآن ، أو يكون المشدّد بمعنى المخفّف ، وقرأ الكوفيون (٢) : (يَكْذِبُونَ) بالفتح والتّخفيف ، والباقون بالضّم والتشديد.
و «يكذّبون» مضارع «كذّب» بالتشديد ، وله معان كثيرة : الرّمي بكذا ، ومنه الآية الكريمة والتعدية نحو : «فرّحت زيدا».
__________________
(١) ينظر البيت في شرح ابن عقيل : (١ / ٢٧٠) ، (٦٤) ، الأشموني (١ / ٢٣١) ، الهمع : (١ / ١١٤) ، الدرر : (١ / ٨٣) ، وارتشاف الضرب : (٢ / ٧٥) ، وشرح الألفية لابن الناظم : (١٣٢) ، والتصريح : (١ / ١٨٧) ، والدر المصون : (١ / ١١٦) ، أوضح المسالك : ١ / ٢٣٩ ، المقاصد النحوية : ٢ / ١٥.
(٢) وبها قرأ : عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وكذا خلق ، ووافقهم الحسن والأعمش. انظر حجة القراءات : ٨٨ ، والحجة : ١ / ٣٢٩ ، والعنوان في القراءات السبع : ٦٨ ، وإعراب القراءات : ١ / ٦٥ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٣٧٨ ، وشرح شعلة : ص ٢٥٨ ، وشرح طيبة النشر : ٤ / ٤.