و «المفسدون» خبره ، والجملة خبر ل «إن».
وعلى القولين الأوّلين يكون «المفسدون» وحده خبرا ل «إن» ، وجيء في هذه الجملة بضروب من التأكيد منها : الاستفتاح والتنبيه ، والتّأكيد ب «إن» ، والإتيان بالتأكيد ، والفصل بالضّمير ، وبالتعريف في الخبر مبالغة في الرد عليهم فيما ادّعوه من قولهم : «إنما نحن مصلحون» ؛ لأنهم أخرجوا الجواب جملة اسمية مؤكدة ب «إنما» ليدلّوا بذلك على ثبوت الوصف لهم ، فرد الله عليهم بأبلغ وآكد مما ادعوه.
وقوله : (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) الواو عاطفة لهذه الجملة على ما قبلها.
و «لكن» معناها الاستدراك (١) ، وهو معنى لا يفارقها ، وتكون عاطفة في المفردات (٢) ، ولا تكون إلّا بين ضدّين ، أو نقيضين ، وفي الخلافين خلاف ، نحو : «ما قام زيد لكن خرج بكر» ، واستدلّ بعضهم على ذلك بقول طرفة : [الطويل]
٢٠١ ـ ولست بحلّال التّلاع لبيته |
|
ولكن متى يسترفد القوم أرفد (٣) |
فقوله : «متى يسترفد القوم أرفد» ليس ضدّا ولا نقيضا لما قبله ، ولكنه خلافه.
قال بعضهم : وهذا لا دليل فيه على المدّعى ، لأن قوله : «لست بحلّال التّلاع لبيته» كناية عن نفي البخل أي : لا أحلّ التّلاع لأجل البخل.
__________________
(١) الاستدراك : هو تعقيب الكلام بنفي ما يتوهم منه ثبوته ، أو إثبات ما يتوهم منه نفيه ، وعرّفه الروداني : بأنه مخالفة حكم ما بعد «لكن» لحكم ما قبلها مع التوهم أولا ، وهذا المعنى في «لكن» أغلبي فيها ، وليس لازما ؛ فقد لا تأتي لرفع التوهم.
معجم المصطلحات النحوية (١٨) ، حاشية الصبان (١ / ٢٧٠).
(٢) لا خلاف بين النحويين في أن «لكن» للعطف ، ومعناها : الاستدراك ، أورد ابن الطراوة ، هذا القول ، وقال : إن «لكن» ليست للاستدراك ، وإنما هي ضد «لا» توجب للثاني ما نفي عن الأول.
ولكن إن وليها جملة ، فغير عاطفة ، بل حرف ابتداء ، سواء كانت بالواو أو بدونها. وقال ابن أبي الربيع : هي عاطفة جملة على جملة ، ما لم تقترن بالواو ، أو وليها مفرد ، فشرطها تقدم نفي أو نهي ؛ قال الكوفيون : أو إيجاب ، والبصريون منعوه ؛ لأنه لم يسمع فيتعين كونها حرف ابتداء بعده الجملة ومن أحكامها : ألّا تقترن بالواو ، فإن اقترنت به فحرف ابتداء ؛ لأن العاطف لا يدخل على العاطف ، وقيل : لا تكون عاطفة مع المفرد إلا بها ، قاله ابن خروف. وزعم يونس العطف بالواو دونها ، فلا تكون عاطفة عنده أصلا ؛ لأنها لم تستعمل غير مسبوقة بواو ، وهو عند عطف مفرد على مفرد ؛ كما أشار المصنف ـ رحمهالله ـ وزعم ابن مالك أن العطف بالواو دونها ، لكن عطف جملة حذف بعضها ، على جملة صرح بجميعها. وزعم ابن عصفور أن الواو زائدة لازمة ، والعطف ب «لكن». وزعم ابن كيسان أنها زائدة غير لازمة ، والعطف ب «لكن». انظر البسيط شرح الجمل (١ / ٣٤٠) ، همع الهوامع (٢ / ١٣٧ ـ ١٣٨).
(٣) البيت من معلقته المشهورة. ينظر ديوانه : (٢٩) ، الكتاب : (١ / ٤٤٢) ، الخزانة : (٣ / ٦٥٠) ، وشرح جمل الزجاجي : (٢ / ٢٠٢) ومغني اللبيب : (٢ / ٦٠٦) ، وشذور الذهب : (٤٠٥) ، وشرح المعلقات السبع : (٤٥) ، والدر المصون : (١ / ١٢١).