رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) فأسند الرّبح إلى التّجارة ، والمعنى : فما ربحوا في تجارتهم ؛ ونظير هذا التّرشيح قول الآخر : [الطويل]
٢١٦ ـ بكى الخزّ من روح وأنكر جلده |
|
وعجّت عجيجا من جذام المطارف (١) |
لما أسند البكاء إلى الخزّ من أجل هذا الرجل ـ وهو روح ـ وإنكاره لجلده مجازا رشّحه بقوله : «وعجّت المطارف من جذام» أي : استغاثت الثياب من هذه القبيلة. وقول الآخر : [الطويل]
٢١٧ ـ ولمّا رأيت النّسر عزّ ابن داية |
|
وعشّش في وكريه جاش له صدري (٢) |
لما جعل «النّسر» عبارة عن الشّيب ، و «ابن داية» وهو الغراب عبارة عن الشباب ، مجازا رشّحه بذكر التعشّش في الوكر ، وقول الآخر : [الوافر]
٢١٨ ـ فما أمّ الرّدين وإن أدلّت |
|
بعالمة بأخلاق الكرام |
إذا الشّيطان قصّع في قفاها |
|
تنفّقناه بالحبل التّؤام (٣) |
لما قال : «قصّع في قفاها» أي : دخل من القاصعاء ، وهي : جحر من جحرة اليربوع رشّحه بقوله : «تنفّقناه» أي : أخرجناه من النّافقاء ، وهي ـ أيضا ـ من جحرة اليربوع فكذا هنا لما ذكر سبحانه الشّر ، أتبعه بما يشاكله ، وهو الربح تمثيلا لخسارتهم.
والربح : الزيادة على رأس المال.
وقوله : (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) هذه الجملة معطوفة على قوله : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ).
والمهتدي : اسم فاعل من اهتدى ، و «افتعل» هنا للمطاوعة ، ولا يكون «افتعل» للمطاوعة إلا من فعل متعدّ.
وزعم بعضهم أنه يجيء من اللّازم ، واستدل على ذلك بقول الشاعر : [الرجز]
٢١٩ ـ حتّى إذا اشتال سهيل في السّحر |
|
كشعلة القابس ترمي بالشّرر (٤) |
قال : ف «اشتال» افتعل لمطاوعة «شال» ، وهو لازم ، وهذا وهم ؛ لأن «افتعل» هنا ليس للمطاوعة ، بل بمعنى «فعل» المجرد.
__________________
(١) البيت لحميدة بنت النعمان. ينظر الكتاب : (٢ / ٢٥) ، والمقتضب : (٣ / ٣٦٤) ، وشرح جمل الزجاجي : (١ / ٢٦٤) ، والمخصص : (١٧ / ٤٠) والاقتضاب : (١١٧ ، ٢٠٦) ، البحر المحيط : (١ / ٢٠٥) ، الدر المصون : (١ / ١٢٦).
(٢) البيت لابن المعتز. ينظر ديوانه : ٢ / ٤٣ ، شواهد الكشاف : ٤ / ٣٩٤ ، الدر : ١ / ١٢٨.
(٣) ينظر البيتان في الكشاف : ١ / ٧١ ، الدر المصون : ١ / ١٢٨.
(٤) ينظر البيت في الممتع : (١٩٣) ، المنصف : (١ / ٧٥) ، واللسان مادة (شول) ، البحر المحيط : (١ / ١٩٥) ، روح المعاني : (١ / ١٦٢) ، والدر المصون : (١ / ١٢٨).