والثّاني : أنه لا تبدل الجملة الفعلية من الجملة الاسمية.
و «بنورهم» متعلّق ب «ذهب» ، والباء فيه للتّعدية وهي مرادفة للهمزة في التّعدية ، هذا مذهب الجمهور.
وزعم أبو العباس أنّ بينهما فرقا ، وهو أن الباء يلزم معها مصاحبة الفاعل للمفعول في ذلك الفعل الذي قبله ، والهمزة لا يلزم فيها ذلك.
فإذا قلت : «ذهبت بزيد» فلا بدّ أن تكون قد صاحبته في الذّهاب فذهبت معه.
وإذا قلت : أذهبته جاز أن يكون قد صحبته وألّا يكون.
وقد رد الجمهور على المبرّد بهذه الآية ؛ لأن مصاحبته ـ تعالى ـ لهم في الذهاب مستحيلة.
ولكن قد أجاب [أبو الحسن] ابن عصفور عن هذا بأنه يجوز أن يكون ـ تعالى ـ قد أسند إلى نفسه ذهابا يليق به ، كما أسند إلى نفسه ـ تعالى ـ المجيء والإتيان على معنى يليق به ، وإنما يرد عليه بقول الشاعر : [الطويل]
٢٣٣ ـ ديار الّتي كانت ونحن على منى |
|
تحلّ بنا لو لا نجاء الرّكائب (١) |
أي : تجعلنا حلالا بعد أن كنّا محرمين بالحج ، ولم تكن هي محرمة حتى تصاحبهم في الحلّ ؛ وكذا قول امرىء القيس : [الطويل]
٢٣٤ ـ كميت يزلّ اللّبد عن حال متنه |
|
كما زلّت الصّفواء بالمتنزّل (٢) |
«الصفواء» الصخرة ، وهي لم تصاحب الذي تزله.
والضمير في «بنورهم» عائد على معنى الذي كما تقدم.
وقال بعضهم : هو عائد على مضاف محذوف تقديره : كمثل أصحاب الذي استوقد ، واحتاج هذا القائل إلى هذا التقدير ، قال : حتى يتطابق المشبه والمشبه به ؛ لأنّ المشبه جمع ، فلو لم يقدر هذا المضاف ، وهو «أصحاب» لزم أن يشبه الجمع بالمفرد وهو الذي استوقد. ولا أدري ما الذي حمل هذا القائل على منع تشبيه الجمع بالمفرد في صفة جامعة بينهما ، وأيضا فإنّ المشبّه والمشبه به إنما هو القصّتان ، فلم يقع التشبيه إلّا بين قصّتين إحداهما مضافة إلى جمع ، والأخرى إلى مفرد.
__________________
(١) البيت لقيس بن الخطيم ينظر ديوانه : ص ٧٧ ، وخزانة الأدب : ٧ / ٢٧ ، وشرح شواهد الإيضاح : ص ١٤٨ ، ولسان العرب (حلل) ، الأزمنة والأمكنة : ١ / ٢٧٨ ، وجواهر الأدب : ص ٤٥ ، المخصص : ١٥ / ٥٧ ، البحر المحيط : ١ / ٢١٤ ، الدر المصون : ١ / ١٣٢.
(٢) البيت من معلقته المشهورة. ينظر ديوانه : (٢٠) ، شرح القصائد العشر : (١١٠) ، وللشنقيطي : (٦٥) ، وشرح المعلقات السبع للزوزني : (٢٤) ، وشرح الجمل : (٢ / ٦٠٤) والشعر والشعراء : (١ / ١٣٠) والدر المصون : (١ / ١٣٢).