قوله : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) ههذه جملة معطوفة.
فإن قيل : لم قيل : ذهب بنورهم ، ولم يقل : أذهب الله نورهم؟
فالجواب : أن معنى أذهبه : أزاله ، وجعله ذاهبا ، ومعنى ذهب به : إذا أخذه ، ومضى به معه ، ومنه : ذهب السّلطان بماله : أخذه ، قال تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) [يوسف : ١٥] فالمعنى : أخذ الله نوره ، وأمسكه ، فهو أبلغ من الإذهاب ، وقرأ اليماني : «أذهب الله نورهم».
فإن قيل : هلّا قيل : ذهب الله بضوئهم [لقوله : (فَلَمَّا أَضاءَتْ)؟
الجواب : ذكر النور أبلغ ؛ لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة](١).
فلو قيل : ذهب الله بضوئهم لأوهم ذهاب [الكمال ، وبقاء] ما يسمى نورا والغرض إزالة النّور عنهم بالكلية (٢) ، ألا ترى كيف ذكر عقيبه : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) والظلمة عبارة عن عدم النور.
وقوله : [(وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ)](٣) هذه جملة معطوفة على قوله : «ذهب الله» ، وأصل الترك : التخلية ، ويراد به التّصيير ، فيتعدّى لاثنين على الصّحيح ؛ كقول الشّاعر : [البسيط]
٢٣٥ ـ أمرتك الخير فافعل ما أمرت به |
|
فقد تركتك ذا مال وذا نشب (٤)(٥) |
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : بالمطية.
(٣) سقط في أ.
(٤) البيت للعباس بن مرداس. ينظر ديوانه : ٤٧ ، قصيدة رقم ٢ ، ص ٣١ ، المقتضب : ٢ / ٣٥ ، الكتاب : ١ / ٣٧ ، المحتسب : ١ / ٥١ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ١٦٥ ، اللمع : ٢ / ٨٢ ، الدرر : ٢ / ١٠٦ ، شرح المفصل : ٢ / ٤٢ ، ٨ / ٥٠ ، الخزانة : ١ / ٣٣٩ ، الشذور : ٣٦٩ ، المغني : ١ / ٣١٥ ، ونسب البيت إلى خفاف بن ندبة وهو في ملحقات ديوانه : ص ١٢٦ ، ونصه (أمرتك الرّشد) ونسب لعمرو بن معديكرب الزبيدي وهو في ديوانه : ٦٣ ، الأصول : ١ / ١٧٨ ، شرح الجمل لابن عصفور : ١ / ٣٠٥ ، الدرر : ٢ / ١٠٦ ، الدر : ١ / ١٣٣.
(٥) الأفعال المقتضية للمفعول على ضربين : فعل يصل إلى مفعوله بنفسه ، نحو : ضربت زيدا ، فالفعل هنا أفضى بنفسه بعد الفاعل إلى المفعول ؛ لأن في الفعل قوّة أفضت إلى مباشرة الاسم ، وفعل ضعف عن تجاوز الفاعل إلى المفعول ؛ فاحتاج إلى ما يستعين به على تناوله ، والوصول إليه ، وذلك نحو : مررت وعجبت وذهبت ، لو قلت : عجبت زيدا ، ومررت جعفرا ، لم يجز ذلك ؛ لضعف هذه الأفعال في العرف والاستعمال من الإفضاء إلى هذه الأسماء ، فلما ضعفت اقتضى القياس تقويتها ؛ لتصل إلى ما تقتضيه من المفاعيل ، فرفدوها بالحروف ، وجعلوها موصلة لها إليها ، فقالوا : مررت بزيد ، وعجبت من خالد ، وذهبت إلى محمد ، وخصّ كل قبيل من هذه الأفعال بقبيل من هذه الحروف ، هذا هو القياس ، إلا أنّهم قد يحذفون هذه الحروف في بعض الاستعمال ؛ تخفيفا في بعض كلامهم ، فيصل الفعل بنفسه فيعمل ، قالوا من ذلك : اخترت الرجال زيدا واستغفرت الله ذنبا ، وأمرت زيدا الخير ؛ قال الله تعالى : «وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً» ، فقولهم : اخترت الرجال زيدا ، أصله من الرجال ؛ لأن ـ