قال أبو حيّان (١) : وأما قوله : ليتجاوب طرفا النّظم ، فليس بشيء ؛ لأنه لا يمكن هنا تجاوب طرفي النظم ، إذ يصير اللفظ : اعبدوا ربكم لعلكم تعبدون ، أو اتقوا ربكم لعلكم تتقون ، وهذا بعيد في المعنى ؛ إذ هو مثل : اضرب زيدا لعلك تضربه ، واقصد خالدا لعلك تقصده ، ولا يخفى ما في ذلك من غثاثة اللفظ ، وفساد المعنى ، والذي يظهر به صحّته أن يكون (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) متعلّقا بقوله : «اعبدوا» فالّذي نودوا لأجله هو الأمر بالعبادة ، فناسب أن يتعلّق بها ذلك ، وأتى بالموصول وصلته في سبيل التوضيح ، أو المدح الذي تعلقت به العبادة ، فلم يجأ بالموصول ليحدّث (٢) عنه ، بل جاء في ضمن المقصود بالعبادة ، فلم يكن يتعلّق به دون المقصود ، وأجاب بعضهم عن كلام الزمخشري بأنه جعل «لعل» متعلّقة ب «خلقكم» لا ب «اعبدوا» ، فلا يصير التقدير : اعبدوا لعلكم تعبدون ، وإنما التقدير : اعبدوا الذي خلقكم لعلكم تعبدون ؛ أي خلقكم لأجل العبادة ، يوضّحه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].
وفي «لعلّ» لغات كثيرة ، وقد يجرّ بها ؛ قال : [الوافر]
٢٧٩ ـ لعلّ الله فضّلكم علينا |
|
بشيء أنّ أمّكم شريم (٣)(٤) |
ولا تنصب الاسمين على الصحيح ، وقد تدخل «أن» في خبرها ؛ حملا على «عسى» ؛ قال : [الطويل]
٢٨٠ ـ لعلّك يوما أن تلمّ ملمّة |
|
...........(٥) |
وقد تأتي للاستفهام والتعليل كما تقدم ، ولكن أصلها أن تكون للترجّي والطمع في المحبوبات والإشفاق من المكروهات ك «عسى» ، وفيها كلام طويل يأتي في غضون هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
و «تتّقون» أصله «توتقيون» ؛ لأنه من «الوقاية» ، فأبدلت الواو ياء قبل تاء الافتعال ، وأدغمت فيها ، وقد تقدم ذلك في «المتقين» ، ثم استثقلت «الضّمة» على «الياء» فقدرت ، فسكنت الياء والواو بعدها ، فحذفت الياء لالتقاء السّاكنين ، وضمت القاف لتجانسها ، فوزنه (٦) الآن «تفتعون» ، وهذه الجملة أعني «لعلكم تتقون» لا يجوز أن تكون حالا ؛ لأنها طلبية ، وإن كانت عبارة بعضهم توهم ذلك ، ومفعول «تتقون» محذوف أي : تتقون الشرك ، أو النار.
__________________
(١) ينظر البحر المحيط : ١ / ٢٣٥.
(٢) في أ : ليحذر.
(٣) في أ : مريم.
(٤) ينظر في خزانة الأدب : ١٠ / ٤٢٢ ، ٤٢٣ ، ٤٣٠ ، وجواهر الأدب : ص ٤٠٣ ، وأوضح المسالك : ٣ / ٤٧ ، وشرح ابن عقيل : ص ٣٥١ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٢٨٤ ، وشرح التصريح : ٢ / ٢ ، وشرح قطر الندى : ص ٢٤٩ ، والمقاصد النحوية : ٣ / ٢٤٧ ، والمقرب : ١ / ١٩٣ ، ورصف المباني : ص ٣٧٥ ، والجنى الداني : ص ٥٨٤ ، والعيني : (٣ / ٢٤٧) ، والدر المصون : (١ / ١٤٧).
(٥) ينظر الدر المصون : ١ / ١٤٨.
(٦) في أ : فوزنها.