دون «فاعل» ، والشهادة الحضور ، وفي المراد من الشهداء وجهان :
الأول : المراد من الشهداء الأوثان.
والثاني : المراد من الشهداء أكابرهم ، أو من يوافقهم في إنكار أمر محمد عليه الصلاة والسلام ، والمعنى : ادعوا أكابركم ، ورؤساءكم ليعينوكم على المعارضة ، أو ليشاهدوا ما تأتون به ، فيكون [الرد على الجميع أوكد](١). و (مِنْ دُونِ اللهِ) متعلّق ب «ادعوا» من دون الله شهداءكم ، فلا تستشهدوا بالله ، فكأنه قال : وادعوا من غير الله من يشهد لكم ، ويحتمل أن يتعلّق ب «شهداءكم» والمعنى : ادعوا من اتخذتموه من دون الله ، وزعمتم (٢) أنهم يشهدون لكم بصحّة عبادتكم إياهم ، وأعوانكم من دون أولياء الله الذين تستعينون بهم دون الله ، أو يكون معنى (مِنْ دُونِ اللهِ) بين يدي الله ؛ كقوله : [الطويل]
٢٩٣ ـ تريك القذى من دونها وهي دونه |
|
لوجه أخيها في الإناء قطوب (٣) |
أي : تريك القذى قدّامها وهي قدّامه ؛ لرقّتها وصفائها.
واختار أبو البقاء (٤) أن يكون (مِنْ دُونِ اللهِ) حالا من «شهداءكم» والعامل فيه محذوف قال : «تقديره : شهداءكم منفردين عن الله ، أو عن أنصار الله».
و «دون» من ظروف الأمكنة ، ولا تتصرّف على المشهور إلا بالجر ب «من».
وزعم الأخفش أنها متصرّفة ، وجعل من ذلك قوله تعالى : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن : ١١] فقال : «دون» مبتدأ و «منّا» خبره ، وإنما بني لإضافته إلى مبنيّ ، وقد شذّ رفعه خبرا في قول الشاعر : [الطويل]
٢٩٤ ـ ألم تر أنّي قد حميت حقيقتي |
|
وباشرت حدّ الموت والموت دونها (٥) |
وهو من الأسماء اللّازمة للإضافة لفظا ومعنى.
وأمّا «دون» التي بمعنى رديء فتلك صفة كسائر الصفات ، تقول : «هذا ثوب دون» ، و «رأيت ثوبا دونا» أي : رديئا ، وليست مما نحن فيه.
و «دون» أيضا نقيض «فوق» ويقال : هذا دون ذاك ، أي : أقرب منه ، ويقال في الأخذ بالشّيء : دونكه.
__________________
(١) في أ : المراد الجمع أو كفار.
(٢) في أ : رغبتم.
(٣) البيت للأعشى. ينظر الجمهرة : (٣ / ١١٤) ، الكشاف : (١ / ١٠٠) ، والدر المصون : (١ / ١٥٣).
(٤) ينظر الإملاء : ١ / ٢٥.
(٥) البيت لموسى بن جابر ينظر الدرر : ٣ / ١٣٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي : ص ٣٧١ ، شرح التصريح : ١ / ٢٩٠ ، وشرح شذور الذهب : ص ١٠٦ ، وهمع الهوامع : ١ / ٢١٣ ، شواهد البحر : (١ / ١٢٠) ، وروح المعاني : (١ / ١٩٥) ، والدر المصون : (١ / ١٥٣).