أحدها : قوله : (فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى) [القصص : ٤٩].
وثانيها : قوله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء : ٨٨].
وثالثها : قوله : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) [هود : ١٣].
ورابعها : قوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] ، ونظير هذا لمن يتحدّى صاحبه فيقول : ائتني بمثله ، ائتني بنصفه ، ائتني بربعه ، ائتني بمسألة مثله ، فإن (١) هذا هو النّهاية في التحدّي ، وإزالة العذر.
قوله : (مِنْ مِثْلِهِ) في الهاء ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها تعود على «ما نزّلنا» عند الجمهور كعمرو ، وابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، وغيرهم ، فيكون «من مثله» صفة ل «سورة» ، ويتعلّق بمحذوف على ما تقرر : أي بسورة كائنة (٢) من مثل المنزل في فصاحته ، وإخباره بالغيوب ، وغير ذلك ، ويكون معنى «من» التبعيض.
واختار ابن عطية والمهدويّ أن تكون للبيان ، وأجازا هما وأبو البقاء أن تكون زائدة ولا تجيء إلّا على قول الأخفش.
الثاني : أنها تعود على «عبدنا» فيتعلّق «من مثله» ب «أتوا» ، ويكون معنى «من» ابتداء الغاية ، ويجوز على هذا الوجه أيضا أن تكون صفة لسورة أي : «بسورة كائنة من رجل مثل عبدنا أمي (٣) لا يقرأ ولا يكتب».
قال القرطبي : و «من» على هذين التأويلين للتبعيض.
الثالث : قال أبو البقاء : «إنها تعود على الأنداد بلفظ المفرد كقوله : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) [النحل : ٦٦] ولا حاجة تدعو إلى ذلك ، والمعنى يأباه أيضا.
قال القرطبي : وقيل : يعود على التوراة والإنجيل ، والمعنى : فأتوا بسورة من كتاب مثله ؛ فإنها تصدّق ما فيه ، والوقف على «مثله» ليس بتام ؛ لأن «وادعوا» نسق عليه.
قوله : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) هذه جملة أمر معطوفة على الأمر قبلها ، فهي في محلّ جزم أيضا ، ووزن «ادعوا» افعوا ؛ لأن لام الكلمة محذوف دلالة على السكون في الأمر الذي هو جزم في المضارع ، و «الواو» ضمير الفاعلين.
و «شهداءكم» مفعول به جمع «شهيد» كظريف.
وقيل : بل جمع «شاهد» ك «شاعر» ، والأوّل أولى ؛ لاطّراد «فعلاء» في «فعيل»
__________________
(١) في أ : كان.
(٢) في أ : كافية.
(٣) في أ : أي.