قوله : (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) هم مبتدأ ، وخالدون خبره ، وفيها متعلّق به.
وقال القرطبيّ : «والظرف ملغيّ ، وقدّم ليوافق رؤوس الآي» وأجازوا أن يكون «فيها»
خبرا أول ، و «خالدون» خبر ثان ، وليس هذا بسديد ، وهذه الجملة والتي قبلها عطف على الجملة قبلهما حسب ما تقدّم.
وقال أبو البقاء : «وهاتان الجملتان مستأنفتان ، ويجوز أن تكون الثانية حالا من الهاء والميم في «لهم» ، والعامل فيها معنى الاستقرار».
قال القرطبي (١) : «ويجوز في غير القرآن نصب «خالدين» على الحال».
و «الخلود» : المكث الطويل ، وهل يطلق على ما لا نهاية له بطريق الحقيقة أو المجاز؟ قولان.
قالت المعتزلة (٢) : «الخلد» (٣) : هو الثبات اللّازم ، والبقاء الدائم الذي لا يقطع ، واحتجّوا بالآية ، وبقوله : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) [الأنبياء : ٣٤] فنفى الخلد عن البشر مع أنّه ـ تعالى ـ أعطى بعضهم العمر الطويل ، والمنفيّ غير المثبت ، فالخلد هو البقاء الدّائم ؛ وبقول امرىء القيس : [الطويل]
٣٢١ ـ وهل ينعمن إلّا سعيد مخلّد |
|
قليل الهموم ما يبيت بأوجال (٤) |
قال ابن الخطيب (٥) : وقال أصحابنا : الخلد هو الثّبات الطويل ، سواء دام أو لم يدم ؛ واستدّلوا بقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) [التوبة : ١٠٠] ولو كان التأبيد داخلا في مفهوم الخلد ، لكان ذلك تكرّرا ، واستدّلوا أيضا بالعرف ؛ يقال : حبس فلان فلانا حبسا مخلّدا ، ويكتب في الأوقاف : وقف فلان وقفا مخلّدا.
وقال الآخرون : «العقل يدلّ على دوامه ؛ لأنه لو لم يجب الدوام ، لجوّزوا انقطاعه ، فكان خوف الانقطاع ينغص عليهم تلك النعمة ، لأنّ النّعمة كلّما كانت أعظم كان خوف انقطاعها أعظم وقعا في القلب ، وهذا يقتضي ألا ينفك أهل الثواب [ألبتة](٦) من الغم والحسرة ، وقد يجاب عنه بأنّهم عرفوا ذلك بقرينة قوله : «أبدا».
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا
__________________
(١) ينظر القرطبي : ١ / ١٦٧.
(٢) ينظر الفخر الرازي : ٢ / ١٢١.
(٣) في أ : الخلود.
(٤) ينظر ديوانه : (٢٧) ، الكتاب : ٢ / ٢٢٧ ، المحتسب : ٢ / ١٣٠ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٢٧٤ ، الدرر : ٢ / ١٠٧ ، الدر المصون : ١ / ١٦٢.
(٥) ينظر الفخر الرازي : ٢ / ١٢١.
(٦) سقط في ب.