قوله : (ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) «ما» في موضع نصب ب «يقطعون» و «أن يوصل» فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : الجر على البدل من الضمير في «به» أي ما أمر الله بوصله ؛ كقول امرىء القيس : [الطويل]
٣٤١ ـ أمن ذكر سلمى أن نأتك تنوص |
|
فتقصر عنها خطوة أو تبوص (١) |
أي : أمن نأيها.
والنصب وفيه وجهان :
أحدهما : أنه بدل من (ما أَمَرَ اللهُ بِهِ) بدل اشتمال.
والثاني : أنه مفعول من أجله ، فقدره المهدويّ : كراهية أن يوصل ، وقدره غيره : ألا يوصل.
والرفع على أنه خبر مبتدأ [مضمر](٢) أي : هو أن يوصل ، وهذا بعيدا جدا ، وإن كان أبو البقاء ذكره.
واختلف في الشيء الذي أمر بوصله فقيل : صلة الأرحام ، وحقوق القرابات التي أمر الله بوصلها ، وهو كقوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) [محمد : ٢٢] وفيه إشارة إلى أنهم قطعوا ما بينهم وبين النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من القرابة ، وعلى هذا فالآية خاصة.
وقيل : أمر أن يوصل القول بالعمل ، فقطعوا بينهما بأن قالوا ، ولم يعملوا. وقيل : أمر أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه ، فقطعوه بتصديق بعضهم ، وتكذيب بعضهم. وقيل : الإشارة إلى دين الله ، وعبادته في الأرض ، وإقامة شرائعه ، وحفظ حدوده ، فهي عامة في كل ما أمر الله ـ تعالى ـ به أن يوصل ، هذا قول الجمهور.
وقيل : إن الله ـ تعالى ـ أمرهم أن يصلوا حبلهم بحبل المؤمنين ، فانقطعوا عن المؤمنين ، واتصلوا بالكفار.
وقيل : إنهم نهوا عن التنازع وإثارة الفتن ، وهم كانوا مشتغلين بذلك.
و «يفسدون» عطف على الصّلة أيضا ، و «في الأرض» متعلق به.
والأظهر أن يراد به الفساد في الأرض الذي يتعدى دون ما يقف عليهم.
وقيل : يعبدون غير الله ، ويجورون في الأفعال ، إذ هي بحسب شهواتهم ، ثم إنه ـ
__________________
(١) ينظر ديوانه : ص ١٧٧ ، ولسان العرب (قصر) ، (بوص) ، رصف المباني : ص ٤٣٥ ، الدر المصون : ١ / ١٦٩.
(٢) سقط في أ.