«إذ». [والجملة في](١) موضع نصب على الحال ، ولا بد من إضمار «قد» ليصح وقوع الماضي حالا.
وقال الزمخشري (٢) : فإن قلت : كيف صح أن يكون حالا ، وهو ماض؟
قلت : لم تدخل «الواو» على «كنتم أمواتا» وحده ، ولكن على جملة قوله : «كنتم أمواتا» إلى «ترجعون» كأنه قيل : كيف تكفرون بالله ، وقصتكم (٣) هذه ، وحالكم أنكم كنتم أمواتا في أصلاب آبائكم ، فجعلكم أحياء ، ثم يميتكم بعد هذه الحياة ثم يحييكم بعد الموت ، ثم يحاسبكم؟.
ثم قال : فإن قلت : بعض القصّة ماض ، وبعضها مستقبل ، والماضي والمستقبل كلاهما لا يصح أن يقع حالا حتى يكون فعلا حاضرا وقت وجود ما هو حال عنه ، فما الحاضر الذي وقع حالا؟
قلت : هو العلم بالقصّة كأنه قيل : كيف تكفرون ، وأنتم عالمون بهذه القصة بأولها وآخرها؟.
قال أبو حيان ما معناه : هذا تكلّف ، يعني تأويله هذه الجملة بالجملة الاسمية. قال : والذي حمله على ذاك اعتقاده أن الجمل مندرجة في حكم الجملة الأولى ، قال : ولا يتعيّن ، بل يكون قوله تعالى : (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) وما بعده جملا مستأنفة أخبر بها ـ تعالى ـ لا داخلة تحت الحال ، ولذلك غاير بينها وبين ما قبلها من الجمل بحرف العطف ، وصيغة الفعل السّابقين لها في قوله : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ).
و «الفاء» في قوله «فأحياكم» على بابها من التّعقيب ، و «ثمّ» على بابها من التّراخي ؛ لأن المراد بالموت الأول العدم السابق ، وبالحياة الأولى الخلق ، وبالموت الثاني الموت المعهود ، وبالحياة الثانية الحياة للبعث ، فجاءت الفاء ، و «ثم» على بابهما من التّعقيب والتراخي على هذا التفسير ، وهو أحسن الأقوال.
ويعزى لابن عباس وابن مسعود ومجاهد (٤) ، والرجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن البعث.
قال ابن عطية : وهذا القول هو المراد بالآية ، وهو الذي لا محيد للكفار عنه لإقرارهم بهما ، وإذا أذعنت نفوس الكفّار لكونهم أمواتا معدومين ، ثم الإحياء في الدنيا ، ثم الإماتة فيها قوي عليهم لزوم الإحياء الآخر ، وجاء جحدهم له دعوى لا حجّة عليها ، والحياة التي تكون في القبر على هذا التأويل في حكم حياة الدنيا.
__________________
(١) في أ : وجملة قسم.
(٢) ينظر الكشاف : ١ / ١٢١.
(٣) في أ : وقضيتكم.
(٤) ذكر هذه الآثار السيوطي في الدر المنثور : ١ / ٨٨.