وتناصفوا فيما بينهم ، وبذلوا الحقّ من أنفسهم ، وقسموا الغنائم والفيء والصدقات على أهلها ، وأقاموا الحدود على من وجبت عليه ، أجزأهم ذلك ، ولا يجب عليهم أن ينصبوا إماما يتولّى ذلك ، وشروط الإمامة مذكورة في كتب الفقه.
قوله : «قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها» قد تقدم أن «قالوا» عامل في «إذ قال ربّك» ، وأنه المختار ، والهمزة في «أتجعل» للاستفهام على بابها ، وقال الزمخشري : «للتعجب» ، وقيل : للتقرير ؛ كقوله : [الوافر]
٣٥٧ ـ ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح (١) |
وقال «أبو البقاء» للاسترشاد ، أي : أتجعل فيها من يفسد كمن كان قبل. و «فيها» الأولى متعلّقة ب «تجعل» إن قيل : إنها بمعنى «الخلق» ، و «من يفسد» مفعول به.
وإن قيل : إنها بمعنى «التصيير» ، فيكون «فيها» مفعولا ثانيا قدّم على الأول ، وهو «من يفسد» ، و «من» تحتمل أن تكون موصولة ، أو نكرة موصوفة ، فعلى الأول لا محلّ للجملة بعدها من الإعراب ، وعلى الثّاني محلها النصب ، و «فيها» الثانية متعلّقة ب «يفسد». و «يسفك» عطف على «يفسد» بالاعتبارين.
والجمهور على رفعه ، وقرىء منصوبا (٢) على جواب الاستفهام بعد «الواو» التي تقتضي الجمع بإضمار «أن» كقوله : [الكامل]
٣٥٨ ـ أتبيت ريّان الجفون من الكرى |
|
وأبيت منك بليلة الملسوع (٣) |
وقال «ابن عطية» : «منصوب بواو الصرف» وهذه عبارة الكوفيين ، ومعنى «واو الصرف» أن الفعل كان يقتضي إعرابا ، فصرفته «الواو» عنه إلى النصب.
والمشهور «يسفك» بكسر الفاء ، وقرىء بضمها (٤) وقرىء أيضا (٥) بضم حرف المضارعة من «أسفك».
__________________
(١) ينظر البيت في ديوان جرير : (٨٩) ، المفصل : (٨ / ١٢٣) ، الخصائص : (٢ / ٤٦٣) ، المغني : (١١) ، شواهد المغني : (٤٣) ، الأخفش : (١ / ٢١٩) ، مجاز القرآن : (١ / ٣٥ / ١٨٤) ، (٢ / ١١٨ / ١٥٠) ، إعجاز القرآن : (١٣٠) ، اللسان : نقص ، الدر المصون : (١ / ١٧٧).
(٢) قرأ بها الأعرج فيما رواه عنه أسيد ، وكذلك قرأ بها ابن هرمز.
انظر البحر المحيط : ١ / ٢٩٠ ، والدر المصون : ١ / ١٧٧ ، والقرطبي : ١ / ١٩٠ ، والمحرر الوجيز : ١ / ١١٨.
(٣) البيت للشريف الرضي ينظر ديوانه : ١ / ٤٩٧ ، وحاشية الشيخ ياسين : ١ / ١٨٤ ، والدرر : ٤ / ٨٧ ، وللشريف المرتضى في مغني اللبيب : ٢ / ٦٦٨ ، شرح الأشموني : ٣ / ٥٦٦ ، وهمع الهوامع : ٢ / ١٣ ، الدر المصون : ١ / ١٧٧.
(٤) وهي قراءة أبي حيوة ، وابن أبي عبلة.
انظر المحرر الوجيز : ١ / ١١٨ ، والبحر المحيط : ١ / ٢٩٠ ، والدر المصون : ١ / ١٧٧.
(٥) انظر البحر المحيط : ١ / ٢٩٠ ، والدر المصون : ١ / ١٧٧.