أصل «إنّي» : إنّني ، فاجتمع ثلاثة أمثال ، فحذفنا أحدها ، وهل هو «نون» الوقاية ، أو «النون» الوسطى؟
قولان : الصحيح الثاني ، وهذا شبيه (١) بما تقدم في (إِنَّا مَعَكُمْ) [البقرة : ١٤] وبابه ، والجملة في محل نصب بالقول.
و «أعلم» يجوز فيه أن يكون فعلا مضارعا ، وهو الظاهر ، و «ما» مفعول به ، وهي: إما نكرة موصوفة أو موصولة ، وعلى كل تقدير ، فالعائد محذوف لاستكماله الشروط ، أي : تعلمونه.
وقال «المهدي ، ومكّيّ» (٢) وتبعهما «أبو البقاء» (٣) : إن «أعلم» اسم بمعنى «عالم» ؛ كقوله : [الطويل]
٣٦٧ ـ لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل |
|
على أيّنا تعدو المنيّة أوّل (٤) |
ف «ما» يجوز فيها أن تكون في محلّ جر بالإضافة ، أو نصب ب «أعلم» ، ولم ينون «أعلم» لعدم انصرافه بإجماع النحاة.
واختلفوا في أفعل إذا سمي به وكان نكرة ، فسيبويه والخليل لا يصرفانه ، والأخفش يصرفه نحو : «هؤلاء حواجّ بيت الله».
وهذا مبني على أصلين ضعيفين :
أحدهما : جعل «أفعل» بمعنى «فاعل» من غير تفضيل.
والثاني : أن «أفعل» إذا كانت بمعنى اسم الفاعل عملت عمله ، والجمهور لا يثبتونها.
وقيل : «أعلم» على بابها من كونها للتفضيل ، والمفضل عليه محذوف ، أي : أعلم منكم ، و «ما» منصوبة بفعل محذوف دلّ عليه «أفعل» أي : علمت ما لا تعلمون ، ولا جائز أن ينصب ب «أفعل» التفضيل ؛ لأنه أضعف من الصفة المشبّهة التي هي أضعف من اسم الفاعل الذي هو أضعف من الفعل في العمل ، وهذا يكون نظير ما أوّلوه من قول الشاعر : [الطويل]
__________________
(١) في ب : يشبه.
(٢) ينظر المشكل : ١ / ٣٥.
(٣) ينظر الإملاء : ١ / ٢٨.
(٤) البيت لمعن بن أوس في ديوانه : ٣٩ ، خزانة الأدب : ٨ / ٢٤٤ و ٢٤٥ و ٢٨٩ و ٢٩٤ ، شرح التصريح : ٢ / ٥١ ، شرح ديوان لحماسة للمرزوقي : ١١٢٦ ، لسان العرب (كبر) ، (وجل) ، المقاصد النحوية : ٣ / ٤٩٣ ، الأشباه والنظائر : ٨ / ١٤٠ ، وأوضح المسالك : ٣ / ١٦١ ، جمهرة اللغة : ٤٩٣ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٢٢ ، شرح شذور الذهب : ١٣٣ ، شرح قطر الندى : ٢٣ ، شرح المفصل : ٤ / ٨٧ ، القرطبي : ١ / ١٩١ ، والمنصف : ٣ / ٣٥ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٣٢٨ ، والدر المصون : ١ / ١٨٠.