قراءة الجماعة «أزلهما» يجوز أن تكون من «زلّ عن المكان» : إذا تنحى عنه ، فتكون من الزوال كقراءة «حمزة» ، ويدل عليه قول امرىء القيس : [الطويل]
٤٠٤ ـ كميت يزلّ اللّبد عن حال متنه |
|
كما زلّت الصّفواء بالمتنزّل (١) |
وقال أيضا : [الطويل]
٤٠٥ ـ يزلّ الغلام الخفّ عن صهواته |
|
ويلوي بأثواب العنيف المثقّل (٢) |
فرددنا قراءة الجماعة إلى قراءة «حمزة» ، أو نرد قراءة «حمزة» إلى قراءة الجماعة بأن نقول : معنى أزالهما أي : صرفهما عن طاعة الله ، فأوقعهما في الزّلّة ؛ لأن إغواءه وإيقاعه لهما في الزّلّة سبب للزوال ، ويحتمل أن تفيد كل قراءة معنى مستقلّا ، فقراءة الجماعة تؤذن بإيقاعهما في الزّلّة ، فيكون «زلّ» بمعنى : استزلّ ، وقراءة «حمزة» تؤذن بتنحيتهما عن مكانهما ، ولا بدّ من المجاز في كلتا القراءتين ، لأن الزّلل أصله من زلّة القدم ، فاستعمل هنا في زلّة الرأي والتنحية لا يقدر عليها الشّيطان ، وإنما يقدر على الوسوسة التي هي سبب التنحية.
و «عنها» متعلّق بالفعل قبله ، ومعنى «عن» هنا السّببية إن أعدنا الضمير على «الشجرة» أي : أوقعهما في الزّلّة بسبب الشجرة.
قال «الزّمخشري» لفظة «عن» في هذه الآية كما في قوله : (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) [الكهف : ٨٢].
ويجوز أن تكون على بابها من المجاوزة إن عاد الضمير على «الجنّة» ، وهو الأظهر ، لتقدّم ذكرها ، وتجيء عليه قراءة «حمزة» واضحة ، ولا تظهر قراءته كلّ الظهور على كون الضمير ل «الشجرة».
قال «ابن عطيّة» (٣) فأما من قرأ «أزالهما» فإنه يعود على «الجنة» فقط.
وقيل : الضّمير للطاعة ، أو للحالة ، أو للسماء ، وإن لم يجر لهما ذكر لدلالة السياق عليهما. وهذا بعيد جدّا.
فإن قيل : إن الله ـ تعالى ـ قد أضاف الإزلال إلى «إبليس» فلم عاتبهما على ذلك الفعل؟
__________________
ـ وعللها : ١ / ٨١ ، والسبعة : ١٥٣ ، وحجة القراءات : ٩٤ ، وشرح شعلة : ٢٦١ ، وإتحاف : ١ / ٣٨٨.
وقرأ بها الحسن وأبو رجاء. انظر البحر المحيط : ١ / ٣١٣ ، والقرطبي : ١ / ٢١٣.
(١) تقدم برقم (٢٣٤).
(٢) ينظر الزجاجي : (٢ / ٤٤٥) ، المعلقات للزوزني : (٢٥) ، المقرب (٤٨٥) ، التبريزي : (١١٦) ، الشنقيطي : (٦٦) ، الدر المصون : (١ / ١٩٣).
(٣) ينظر المحرر الوجيز : ١ / ١٢٩.