غفلة الإنسان الذي قد يتصور أن الله مشغول عن حسابه بشؤون الدنيا ومن فيها ، مما يجعله في أمن منه ...
من هنا جاءت الآية للإيحاء بجوّ الخطورة والهول الشديد ليخاطب الله الثقلين بأنه سيتفرغ لهما ، وهو القادر القاهر فوق عباده ، ليشعروا بالخطر الداهم الذي يواجههم في الدار الآخرة ، ليستعدوا له بالإيمان والعمل الصالح. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) عند ما تواجهون هذا الجوّ المفتوح على كل عوالم الغيب في آفاق المسؤولية ، لتتعرفوا عظمة الله في ذلك كله؟!
(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لتنطلقوا إلى خارج ملكه ، بعيدا عن سلطته وتدبيره ، وعن مواقع قوّته ، في ما قد يخيل إليكم من امتلاك قوّة مستقلة عن الله ، ولكن الكون كله ملكه ، فلا تملكون النفاذ منه إلى أيِّ مكان خارج ملكه ، فإذا خيِّل إليكم ـ في حالة الغفلة وغيبوبتها ـ أنكم قادرون على النفاذ إلى خارج السموات والأرض ، بعيدا عن ملك الله وقدرته ، فجربوا ذلك بما لديكم من وسائل القدرة ، (فَانْفُذُوا) فما ذا تجدون أمامكم؟ إنها حقيقة الضعف المطلق الذي يمثله وجودكم ، وحقيقة الشمول المطلق لسيطرة الله على الكون كله ، (لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ). فما هو هذا السلطان ، فيما هي القدرة ، وفيما هي طبيعة الوجود؟!
حاول البعض تفسير كلمة السلطان بالعلم عند صعود الإنسان إلى القمر ، على أساس أن هذا الحدث أثبت إمكانية نفاذ الإنسان إلى خارج نطاق الأرض ، وأن الآية لا تنفي إمكان ذلك ، بل تربطه بالسلطان الذي يمثل القوّة التي تفتح كل المواقع العصية المستعصية .. وبذلك يكون هذا الاختراق الإنساني للأرض منطلقا من إمساك الإنسان بزمام قوّة العلم.
ولكن هذا التوهُّم ناشئ من عدم التدقيق في فهم جوّ الآية التي تريد أن تؤكد شمولية ملك الله للسموات والأرض ، وعدم قدرة الإنسان على النفاذ منهما إلى أفق آخر خارج ملكه وقدرته ، أمَّا استثناء السلطان ، فإن الظاهر أن سياقه سياق التحدي في عدم وجود قدرة على ذلك ، مع ملاحظة أن الحديث