رضى الله ، انطلاقا من محبتهم له وإخلاصهم لربوبيته ، وبذلك وصلوا إلى مواقع القرب منه.
(أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) الذين قربهم الله إليه لقرب أرواحهم إليه وأعمالهم بين يديه ، وأدخلهم (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) التي أعدّها للمخلصين من عباده ، وهؤلاء ليسوا كثرة في تاريخ حركة الإنسان ، لأن الإيمان الأعلى ، والالتزام الأفضل ، والسبق المميز ، يحتاج إلى روحية عالية تتجاوز الوضع العاديّ ، مما يفرض كثيرا من المعاناة والجهد والتضحية داخل النفس وخارجها ، ولذلك فإن حجم هؤلاء العدديّ يختلف بين التاريخ القديم وبين الحاضر الجديد ، فهم (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) ، ولعل ذلك ناشئ من قلّة التعقيدات ، في ما يمكن أن يزحف إلى الذات من مشاغل ومشاكل وأوضاع تشغل الإنسان عن ربه ، وتبعد الصفاء عن روحه ، وتثير فيه النوازع المادية التي توجهه إلى شهواته وملذاته وأطماعه ، وتنطلق به في ساحات الأنانية الذاتية ، ولذلك فإن فرص الوصول إلى الانفتاح على الله كثيرة ، (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) الذين يعيشون كثيرا من التعقيدات التي يفرضها تقدم الحياة ، ذلك أن المفردات التي تعبث بحياة الإنسان في جزئياتها الصغيرة وعناوينها المختلفة كثيرة ، مما يجعله يخلد إلى الأرض بشكل كبير في العمق والامتداد ..
(عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ* مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ) في جلسة استرخاء حافلة بالمشاعر الأخوية في جوِّ من الاندماج الروحيّ في مجتمع الجنة الجديد ، انطلاقا مما كانوا يعيشونه من محبة أخوية في الدنيا ، (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) في إشراقة الروح وجمال الوجه ودوام الحيوية ، فلا يهرمون ، ولا يموتون ولا يضعفون ، وتبقى مهمتهم الطواف على هؤلاء المتّقين السابقين إلى الخيرات ، في ما يريده الله لهم من الكرامة ، (بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ* لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) أي لا يأخذهم صداع الخمر الذي يحصل من خمر الدنيا ، (وَلا يُنْزِفُونَ) أي لا يزول عقلهم بالسكر الحاصل منها. وبذلك نعرف أنَّ مشكلة الخمر ليست في اسمها ، بل في تأثيراتها السلبية على عقل الإنسان وحياته ، فإذا