محصاة ولا متناهية ، ثمّ لو انحصرت على ما ادّعي لتوجّه الكلام ؛ لأن الله تعالى قادر بغير شبهة على أن يسلب العرب في أصل العادة العلوم الّتي يتمكّنون بها من الفصاحة الّتي نراها في كلامهم وأشعارهم لا يمكنهم من هذه الغاية الّتي هم الآن عليها ، فيظهر حينئذ مزية القرآن وخروجه عن العادة ظهورا تزول معه الشبهات ويجب معه التسليم ، فألا فعل ذلك إن كان الغرض ما هو أظهر وأبهر ، وألّا أحيى الله تعالى عنه دعوته الأموات أو أكثرهم وأمات الإحياء أو أكثرهم ، وألّا أحيى عبد المطّلب عليهالسلام ، ونقل جبال مكّة من أماكنها كما اقترح القوم عليه ، فذلك كلّه أظهر وأبهر.
فإن قيل : إذا لم يكن القرآن خارقا للعادة بفصاحة كيف شهد له بالفصاحة متقدموا العرب فيها كالوليد بن مغيرة وغيره؟ وكيف انقاد له صلىاللهعليهوآلهوسلم وأجاب دعوته كبراء الشعراء ، كالنابغة الجعدي ، ولبيد بن ربيعة ، وكعب بن زهير ، ويقال : إن الأعشى الكبير توجّه ليدخل في الإسلام فغاظه أبو جهل بن هشام وقال : إنه يحرّم عليك الأطيبين الخمر والزنا ، وصدّه عن التوجّه؟ وكيف يجيب هؤلاء الفصحاء إلّا بعد أن بهرتهم فصاحة القرآن وأعجزتهم؟
قلنا : ما شهد الفصحاء من فصاحة القرآن وعظم بلاغته إلّا بصحيح ، وما أنكر أصحاب الصرفة علوّ مرتبة القرآن في الفصاحة ، قالوا : ليس بين فصاحة ـ وان علت على كلّ كلام فصيح ـ قدر ما بين المعجز والممكن ، والخارق للعادة والمعتاد ، فليس في طرب الفصحاء بفصاحته وشهادتهم ببراعته ردّ على للعادة والمعتاد ، فليس في طرب الفصحاء بفصاحته وشهادتهم ببراعته ردّ على أصحاب الصرفة ، وأمّا دخول فصحاء الشعراء في الدعوة فإنّما يجب أن يكون ذلك الأمر قهرهم وبهرهم ، وأيّ شيء أبلغ في هذا الباب من تعذّر المعارضة عليهم إذا راموها مع تسهّل الكلام الفصيح عليهم إذا لم يعارضوا.
فإن قيل : كيف لم يصرف مسيلمة عمّا أتى به من المعارضة؟
قلنا : لا شيء أبلغ في دلالة القرآن على النبوّة من تمكين مسيلمة من معارضته السخيفة ؛ لأنه لو لم يكن غيره من الفصحاء الّذين يقارب كلامهم