لمن يطلعانه على ذلك : لا تكفر باستعماله ، ولا تعدل عن الغرض في إلقاء هذا إليك ، فإنّه إنّما ألقي إليك ، وأطلعت عليه لتجتنبه ؛ لا لتفعله ، ثم قال : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)، أي فيعرفون من جهتهما ما يستعملونه في هذا الباب ؛ وإن كان الملكان ما ألقياه إليهم لذلك ؛ ولهذا قال : (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ)، لأنّهم لمّا قصدوا بتعلّمه أن يفعلوه ويرتكبوه ، لا أن يجتنبوه صار ذلك لسوء اختيارهم ضررا عليهم.
وثانيها : أن يكون (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) موضعه موضع جرّ ، فيكون معطوفا بالواو على (مُلْكِ سُلَيْمانَ)؛ والمعنى : واتبعوا ما كذب به الشياطين على ملك سليمان ، وعلى أنزل على الملكين ؛ ومعنى (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) أي معهما ، وعلى ألسنتهما ؛ كما قال تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) (١) ، أي على ألسنتهم ومعهم.
وليس بمنكر أن يكون (وَما أُنْزِلَ) معطوفا علي (مُلْكِ سُلَيْمانَ) وإن اعترض بينهما من الكلام ما اعترض ؛ لأنّ ردّ الشيء إلى نظيره ، وعطفه على ما هو أولى هو الواجب ، وإن اعترض بينهما ما ليس منهما ؛ ولهذا نظائر من القرآن وكلام العرب كثيرة ، قال الله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً) (٢) و «قيّم» من صفات الكتاب حال منه ، لا من صفة «عوج» ، وإن تباعد ما بينهما ، ومثله قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) (٣) ، فالمسجد هاهنا معطوف على الشهر الحرام ، أي يسئلونك عن القتال في الشهر الحرام وعن المسجد الحرام.
وحكي عن بعض علماء أهل اللغة أنّه قال : العرب تلفّ الخبرين المختلفين ، ثم ترمي بتفسيرهما جملة ؛ ثقة بأنّ السامع يردّ إلى كلّ خبره ؛ كقوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) (٤) ، وهذا واضح في مذهب العرب ، كثير النظائر.
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٩٤.
(٢) سورة الكهف ، الآيتان : ١ ـ ٢.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢١٧.
(٤) سورة القصص ، الآية : ٧٣.