والّذي يمكن على أصولنا المعرفة به من طريق الإجماع أوسع وأكثر ممّا يمكن أن يعلم بالإجماع على مذهب مخالفينا ؛ لأنّهم إنّما يعلمون بالإجماع الأحكام الشرعيّة خاصّة ، ونحن نتمكّن من أن نعلم بالإجماع زائدا على ذلك فرضا وتقديرا النبوّة والقرآن وما شاكل ذلك من الأمور الّتي يصحّ أن يتقدّمها العلم بوجوب الإمامة. ولو أجمعت الأمّة في شخص بعينه أنه نبيّهم ، وفي كلام بعينه أنه كلام الله سبحانه ، لعلمنا صحّتهما ، لسلامة الأصل الّذي أشرنا إليه ، وصحّة تقدّمه على هذه المعرفة.
وعلى هذا يصحّ على مذاهبنا أن يعلم صحّة الإجماع وكونه حجّة من يجهل صحّة القرآن ونبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ لان أصل كونه حجّة لا يفتقر إلى العلم بالنبوّة والقرآن ، وعلى مذهب مخالفينا لا يصحّ ذلك ؛ لأنّ الكتاب والسنّة عندهم هما أصل كون الإجماع حجّة (١).
٤ ـ ويعد المصدر المهمّ الرابع لهذه المدرسة السنّة المتواترة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام فاشتراط التواتر كما عرفنا إنّما هو لأنّ الخبر لا يكون حجّة في هذه المدرسة إلّا إذا كان موجبا للعلم ، وهذا ينحصر في الخبر المتواتر.
٥ ـ لقد ذكر سلفا أنّ المدرسة البغدادية لا تعتبر الخبر الواحد حجّة ، فهو لا يوجب العلم ولا العمل.
يقول السيّد المرتضى في هذا الإطار : «إعلم أنّ في المتكلّمين من يذهب إلى أنّ خبر الواحد لا يجوز من جهة العقل ورود العبادة بالعمل به ، والصحيح أنّ ذلك جائز عقلا ، وإن كانت العبادة ما وردت به» (٢).
لقد تمّ البحث كثيرا في هذه المسألة وبذلت جهودا حثيثة ، ولعلّ الملاحظة المثيرة في هذا الأمر هو ما طرحه الشيخ المفيد والسيّد المرتضى في هذا الإطار وهو إجماع الشيعة حول هذه المسألة ، قال الشيخ المفيد : «إنّه لا يجب العلم
__________________
(١) الذريعة ، ٢ : ٦٢٦ و ٦٢٧.
(٢) الذريعة ، ٢ : ٥١٩.