إن أغلب الاختلافات مع مدرسة قم هي في المسائل الاعتقادية وقد يكون في الفروع ؛ لأنّ أولئك كانوا يتمسّكون في المسائل العقائديّة بالروايات وفي بعض الأحيان بخبر الواحد وهذا ما كان يتعارض مع مدرسة بغداد الّتي كانت ترى ضرورة التمسّك بحكم العقل في المباحث الكلاميّة ، وقد يرد عليهم إشكال التمسّك بخبر الواحد في بعض الفروع ، لكن الاختلاف مع السنّة في كلا المجالين راسخ وقوي ؛ لأن الاختلاف معهم كان في المبنى والبناء.
وفي هذا السياق سنشير هنا إلى بعض عبارات السيّد المرتضى في علم الفقه والتفسير ليتّضح لنا أوّلا : ثنائية أبعاد المنظومة الفكريّة والحواريّة للسيّد المرتضى ، وثانيا : لنتعرف بعض الشيء على المنهجية العلميّة لهذا الرجل :
الفقه :
«إعلم أن الطريق إلى صحة ما يذهب إليه الشيعة الإمامية في فروع الشريعة فيما أجمعوا عليه هو إجماعهم ؛ لأنّه الطريق الموصل إلى العلم ، فذلك هو على الحقيقة الدليل على أحكام هذه الحوادث» ... «وليس يمتنع مع ذلك أن يكون في بعض ما أجمعوا عليه من الأحكام ، ظاهر كتاب يتناوله ، أو طريقة تقتضي العلم (١) ، مثل أن يكون ما ذهبوا إليه هو الأصل في العقل ، فيقع التمسّك به مع فقد الدليل الموجب للانتقال عنه ، أو طريقة قسمة ، مثل أن تكون الأقوال في هذه الحادثة محصورة ، فإذا بطل ما عدا قسما واحدا من الأقسام ، ثبت لا محالة ذلك القسم ، وكان الدليل على صحّته بطلان ما عداه ، فإن اتّفق شيء من ذلك
__________________
(١) يمكن التمسّك بهذه العبارة على حجيّة الإجماع المدركي في مدرسة السيّد المرتضى ويكون على هذا ـ إن كان لمدركه احتمالات غير ما يوجبه الإجماع ـ مرجحا لأحد الاحتمالات ، كما وقع السيّد في مسألة جواز الربا بين الوالد وولده ، فرآه مخالفا للظواهر القرآنية فأوّل ما ورد في ذلك على احتمال آخر فيه ثمّ رجع عنه في الانتصار لإجماع الفرقة على هذا الحكم ، على أن عبارة السيّد في مقدّمة الانتصار صريحة في ذلك وسيأتي نقله. وليعلم أن مدار البحث هنا على ظاهر الكتاب أو ما تقتضي العلم أمّا إذا كان هناك خبر واحد مطابق لما عليه إجماعهم فلا يدلّ على صحّته وكونه حجّة مقطوعا وتقدّم نقل كلامه في هذا المعنى.