في بعض المسائل ، جاز الاعتماد عليه من حيث كان طريقا إلى العلم ، وصار نظيرا للإجماع الّذي ذكرناه في جواز الاعتماد عليه.
هذا فيما اتّفقوا عليه من المذهب ، فأمّا ما اختلفوا فيه : فقال بعضهم في الحادثة بشيء ، وقال آخرون بخلافه ، فلا يخلو من أن يصحّ دخوله تحت بعض ظواهر القرآن ومعرفة حكمه من عمومه ، فيعتمد على ذلك فيه أو أن يكون ممّا يرجع فيه إلى حكم أصل العقل ، فيرجع فيه إليه مع فقد أدلّة الشرع ، إذ يمكن فيه طريقة القسمة وإبطال بعضها وتصحيح ما يبقى ، فيسلك ذلك فيه أو يكون جميع الطرق الّتي ذكرناها فيه متعذّرة ، فحينئذ يكون مخيّرا بين تلك الأقوال الّتي وقع الاختلاف فيها ، ولك أن تذهب وتفتي بأي شيء شئت منها ؛ لأنّ الحقّ لا يعدوها ، لإجماع الطائفة عليها ، وقد فقد الدليل المميّز بينها ، فلم يبق في التكليف إلّا التخيير (١). وأمّا ما لم يوجد للإماميّة فيه نصّ على خلاف ولا وفاق ، كان لك عند حدوثه أن تعرضه على الأدلّة الّتي ذكرناها ، من عمومات الكتاب وظواهره ، فقل ما يفوت تناول بعضها من قرب أو بعد له. فإن لم يوجد له فيها دليل ، عرض على أصل العقل وعمل بمقتضاه. وإن كانت طريقة القسمة فيه متأتية ، عمل بها. فإن قدرنا تعذر ذلك كلّه ، كنت بالخيار فيما تعمله فيه على ما ذكرناه.
وهذا الّذي بيناه هو طريق معرفة الحقّ في جميع أحكام الشرع.
ولم يبق إلّا كيف نناظر الخصوم في هذه المسألة.
واعلم أن كلّ مذهب لنا في الشريعة عليه دليل من ظاهر كتاب ، أو حكم الأصل في العقل وما أشبه ذلك ، فإنّه يمكن مناظرة الخصوم فيه.
فأمّا ما لا دليل لنا عليه إلّا إجماع طائفتنا خاصّة ، فمتى ناظرنا الخصوم واستدللنا عليهم بإجماع هذه الطائفة ، دفعوا أن يكون إجماعهم دليلا ، فيحتاج
__________________
(١) يظهر أنّ هذا التخيير بين الأقوال في مقام الإفتاء إذا أنّ مختار مدرسة المرتضى هو عدم حجّيّة خبر الواحد. وعند تعارض الأخبار يتمّ الطرح.