لما دلّت العقول على خلافه ؛ لأنها إذا كانت محتملة حملناها على الوجه المطابق للحقّ الّذي هو أحد محتملاتها ، وإن كانت غير محتملة عدلنا عن ظواهرها وقطعنا على أنه تعالى أراد غير ما يقتضيه الظاهر ممّا يوافق الحق» (١).
٢ ـ وقد سأله سائل عن عالم الذرّ : «ما تقول في الأخبار الّتي رويت من جهة المخالف والموافق في الذر وابتداء الخلق على ما تضمّن تلك الأخبار ، هل هي صحيحة أم لا؟ وهل لها مخرج من التأويل يطابق الحق؟».
فالملاحظ هنا أنّ السائل في هذه العبارة يستوضح رأي المدرستين الشيعيّة والسنّية ويجيب السيّد المرتضى على ذلك بما يلي : «إنّ الأدلة القاطعة إذ دلّت على أمر وجب إثباته والقطع عليه ، وأن لا يرجع عنه بخبر محتمل ، ولا بقول معترض للتأويل ، وتحمل الأخبار الواردة بخلاف ذلك على ما يوافق تلك الدلالة ويطابقه ، وإن رجعنا بذلك عن ظواهرها ، وبصحّة هذه الطريقة نرجع عن ظواهر آيات القرآن الّتي تتضمّن إجبارا أو تشبيها» (٢).
إنّ من الواضح أنّ هذا المنهج منهج عامّ ، وهو سار وجار في روايات الفريقين في المباحث التفسيريّة والكلاميّة.
فمع ملاحظة هاتين العبارتين اتّضح مدى اهتمام السيّد المرتضى بالدفاع عن مدرسة التشيّع وإصلاح المصادر الّتي تستند عليها الشيعة. فقد وقف السيّد المرتضى موقفا حاسما في مواجهة الآراء الّتي كان يتبناها أهل الحديث والأشاعرة من أهل السنّة وكذا الآراء ومبتنيات المدرسة الأخبارية الشيعية ، ومن جانب آخر اهتمّ بشكل معمّق بالاستدلال القرآني الّذي يتّفق عليه الطرفان وذلك لنقض وإبرام أدلّتهم ، هذا في حين رفض خبر الواحد ولم يعتبره حجّة ووقف بوجه هذين الخطّين الفكريين في تمسّكهما بخبر الواحد.
وحينما واجه السيّد المرتضى المعتزلة وتبنى مفهوم الحسن والقبح العقليين لم يقع في القول بالتفويض وحسب بل تمكن في الكثير من المواقف أن يزعزع
__________________
(١) الرسائل ، ١ : ١٢١.
(٢) الرسائل ، ١ : ١١٣.